+ أيقونات ومخطوطات طُعْماً لنيران الحرب
+ الزيباوي يقول:
”آثار شمال سوريا الأكثر تعرُّضاً للضرر“


نافذة على ما يجري في الكنائس الأرثوذكسية في أقطار المسكونة

بيار عطا الله – جريدة النهار – 15 يناير 2014 – معلولا:
ومعلولا مدينة سوريَّة تقع في شمال غرب دمشق على بُعد 50 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 1500 متر. اسمها يعني ”المكان المرتفع ذا الهواء العليل، حسب اللغة السريانية (وهي الآرامية القديمة التي كانت لغة المسيح)“، والتي ما زال سُكَّان معلولا يتحدَّثون بها.


”معلولا“ مدينة في بطن الجبل

وتشتهر معلولا بوجود معالم مسيحية مقدَّسة ومعالم قديمة مهمة يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد. كما أنَّ سُكَّانها من المسيحيين والمسلمين ما يزالون يتكلمون باللغة الآرامية (السريانية)، لغة المسيح، حتى اليوم، بجانب اللغة العربية، وذلك كما في قرية جبعدين وبخعة.

وبعد ثلاثة أيام من المعارك الضارية بين الجيش السوري والمُسلَّحين، أحكمت جماعات مسلحة مُعارِضة سيطرتها بالكامل على معلولا، ومِن ثمَّ دخلوا إلى دير مار تقلا الأرثوذكسي، وذلك يوم 6/12/2013، بعدما تقدَّموا إلى وسط البلدة واختطفوا رئيسة الدير ”الأم بيلاجيا“، إضافةً إلى عدد من الراهبات (13 راهبة) اللواتي يعملن في الدير والميتم التابع له. وتحدَّثت مصادر أهلية عن حرق المسلحين لكنائس وبيوت في البلدة.

والصورة التي وصلت إلى جريدة ”النهار“ عن الخراب في كنائس معلولا وتدمير الأيقونسطاس (حامل الأيقونات)، وحرق باب الهيكل؛ قطعت الشكَّ باليقين فيما تعرَّضت له الأديرة والكنائس في بلدة معلولا، أيقونة المسيحية المَشْرقية وإحدى أبـرز رموزها، إلى جانب القدس وبيت لحم ووادي قنوبين وغيرها من المواقع الراسخة في وجدان المسيحيين في الشرق الأوسط.

وحتى يوم 15 يناير 2014، كان قِسْمٌ من رجالات الكنيسة يتهرَّب من الإجابة عمَّا جرى في المواقع الدينية في معلولا، ويَدَّعي بأنه ليس عنده تفاصيل عن مصيرها، وذلك ربما حماية له من مزيد من التشويه والتدمير المُمَنْهج على يد مَن يُسمَّوْن ”التكفيريين“. لكن هذا النفي لا يُسْقِط وقائع لا جدال فيها، أنَّ الأماكن الدينية المسيحية في سوريا، أُسوة بالأماكن الدينية الإسلامية السُّنيَّة والشيعية، هي هدف الحرب الأهلية، مع ما يترتَّب على ذلك من خسائر تُصيب التراث الإنساني.


راهبات دير مار تقلا المخطوفات

وإذا كانت معلولا الأيقونة الأبرز في هذا الدمار، إلى جانب مساجد حلب وحمص والمقامات الدينية في دمشق، فإنَّ ما تتناقله الأخبار عن مصير الأيقونات والمخطوطات، وخصوصاً المسيحية منها، تبعث على القلق. لكن المعلومات المتداولة تُشير إلى قيام رجال الدين المسيحيين المُتَنَوِّرين بالاحتياط للتطورات والأحداث السورية، وحِفْظ المحتويات الفنية القيِّمة والثمينة من أيقونات وخلافه في أماكن آمنة بهدف مَنْع الضرر عنها، كما فعل مطران حلب للروم الأرثوذكس بولس يازجي الذي قام بحماية كل الأيقونات لديه قبل خطفه، كي لا يُصيبها ما أصاب الأيقونات في عدد من كنائس حمص وناحيتها، من تخريب وسرقة وتدمير. وعلى رغم كل ذلك تتسرَّب معلومات عن أعمال سطو على قِسْمٍ من الأيقونات والمخطوطات والوثائق التي يتم ”تسويقها“ في أوروبا أُسوة بالآثار السورية.

ويقول أبرز الخبراء في فن الأيقونة الأستاذ الجامعي في تاريخ الفن البيزنطي ”محمود الزيباوي“: ”إن أيقونات معلولا وأديرتها، على أهميتها وميزتها، ليست أيقونات استثنائية، لأنها تعود إلى القرن التاسع عشر، وهي من مدرسة القدس الفنية والتي ينتشر الكثير من أيقوناتها في أنحاء المشرق“.


دير مار تقلا في معلولا منحوتاً في الجبل

ويشرح قائلاً: ”إن الكارثة الكبرى هي الخسائر التي أصابت منطقة شمال سوريا الغنية بالآثار المسيحية وغيرها“.

ويُشير تحديداً إلى ما جرى في متحف مَعَرَّة النُّعْمان الذي استولى عليه المعارضون المُسلَّحون بعد سيطرتهم على المدينة، وكان يضمُّ مجموعة مهمة من الآثار تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديَّيْن؛ إذ كان يضمُّ فُسيفساء من المرحلة البيزنطية وآثاراً ومخطوطات جُمِعَت من أنحاء شمال سوريا المنطقة الأكثر غِنًى بالآثار في العالم، وخصوصاً الآثار المسيحية.


مُسلحون داخل الدير الأثري في معلولا

ويقول: ”إن أحداً لا يستطيع الجزم بما آلت إليه أحوال متحف معرة النعمان ولا متحف آفاميا وما مصير الآثار داخلهما، في ظل تنازُع السيطرة عليهما مراراً بين السلطة والمعارضة المسلحة، والكلام على التخريب والسرقة مجرد كلام عام ويحتاج إلى الخبراء للتقصِّي عن مستوى التخريب والأذى“.

يُقال إنَّ أيقونات مسروقة من كنائس سوريا ومتاحفها ومنازلها تُعْرَض بين الحين والآخر في السوق السوداء بـواسطة شبكات المهرِّبين الذيـن يتذرَّعون بحماية الأيقونات والمخطوطات لإخراجها من سوريا وترويجها لـدى الراغبين.

وقد عُرِضَ قِسْمٌ من هذه المسروقات على بعض الخبراء في بيروت وجنيف، وهؤلاء عرضوها بدورهم على الخبير ”الزيباوي“ لتبيان صحتها وقيمتها الفنية. فتبيَّن أنَّ بعضها لا قيمة له، وأنَّ بعض هذه المسروقات ”الفنية“ مُزوَّر وتالف لا قيمة حقيقية له.

ويُحدِّد الخبير ”الزيباوي“ الضرر الذي أصاب المخطوطات والأيقونات المسيحية بمنطقة شمال سوريا، شارحاً: ”إنَّ الكنائس في منطقة الجزيرة (الحسكة والقامشلي وغيرها من المناطق المأهولة بالسريان والأشوريين والكلدان وغيرها)، إنما قامت كنائسها الجديدة على أنقاض القديمة ولم تكن فيها تلك الأيقونات المهمة“.

وفي رأيه: ”إنَّ الخطر والأذى لم يلحق بالأيقونات فحسب، بل بالمخطوطات المحفوظة التي تُشكِّل مصدراً مهماً لدراسة التاريخ، ويُشكِّل حفظها تقليداً لدى رجال الكنيسة“، و”هناك الكثير من الأمور والوثائق تحتاج إلى دراسة“.

************************************************************************************
اقرأ بمناسبة صوم يونان للأب متى المسكين
صوم يونان
التوبة
التوبة والنسك في الإنجيل
صوم جماعي وتوبة جماعية
رسالة إلى الرهبان
************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis