|
|
|
ثانياً: الأسفار التاريخية
6 - سِفْر الملوك الأول مقدِّمـة:
الجزء الأول من سِفْر الملوك الأول يسرد سيرة أول خَلَفٍ للملك داود، وهو ابنه سليمان. وهو الذي تحت قيادته صعدت إسرائيل إلى قمة مجدها ومساحة إمبراطوريتها (أي مملكتها). والواقع أنَّ إنجازات سليمان العظيمة كانت تتضمن بناء الهيكل الذي أقامه في أورشليم بروعة لا مثيل لها، جلبت له شُهرةً وتكريماً واسعاً. إلاَّ أنَّ غيرة سليمان في عبادته لله قد تناقصت على مدى سني حياته المتأخِّرة، لأن زوجاته الوثنيات اللاتي ارتبط بهُنَّ حوَّلن قلبه بعيداً عن الإله الحي إله إسرائيل، وأَمالْنَه وراء آلهة أخرى، «ولم يكُن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه... فغضب الرب على سليمان» (1مـل 11: 4-9). وتراءى له الرب مرتين، «وأوصاه في هـذا الأمر، أنْ لا يَتَّبِع آلهةً أخرى. فلم يحفظ ما أَوصى به الربُّ. فقال الربُّ لسليمان: ”مِن أجل أن ذلك عندك، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بهـا، فـإني أُمَـزِّق المملكة عنك تمزيقاً، وأُعطيها لعبدك. إلاَّ إني لا أفعل ذلك في أيامك من أجل داود أبيك، بل من يد ابنك أُمزِّقها“» (1مل 11: 10-12).
وكنتيجة لذلك، صار سِفْر الملوك الأول تاريخ قائمتَيْن من الملوك لمملكتَيْن منقسمتَيْن لشعبٍ غير خاضع لله. ومِثْل سِفْرَي صموئيل الأول والثاني، كذلك سِفْرَا الملوك الأول والثاني؛ فقد كانا أصلاً سِفْراً واحداً في النُّسخة العبرية. ولكن في الترجمة السبعينية دُعيتا سِفْرَي الملوك الثالث والرابع، فالفصل بينهما مُستَحَدثٌ. وقد اتُّبِع هذا التقسيم في الترجمات الأخرى، مثل: الفولجاتا اللاتينية، ثم الترجمات اللاحقة كالإنجليزية ثم العربية.
كاتب السِّفْر:
كاتب سِفْرَي الملوك الأول والثاني غير معروف، رغم أنَّ التقليد اليهودي ينسبه إلى إرميا النبي. وكل ما يمكن قوله بشيء من التأكيد، هو أنَّ الملوك كانوا يجمعون مادته من مصادر مُتعدِّدة مكتوبة من منظور نبوي. وقد ذَكَر الكاتب ثلاثة مصادر:
1. سِفْر أعمال سليمان (1مل 11: 41) الذي يُبيِّن أنه يحتوي على حَوْليات (أي تسجيل أعمال الملوك سنة وراء سنة) ومعلومات عن السيرة الذاتية للملوك، ومقتطفات من أرشيف الهيكل.
2. سِفْر أخبار أيام ملوك إسرائيل (1مل 14: 19-15: 7)، ويتضح منه أنه يُسجِّل الأنشطة السياسية لكلِّ ملك، وكان محفوظاً في أرشيف الدولة الرسمي.
3. سِفْر أخبار أيام ملوك يهوذا (1مل 14: 29-15: 7)، وكان أيضاً تسجيلاً رسمياً للدولة، محفوظاً في أرشيف المملكة.
تاريخ كتابة السِّفْر:
أسلوب سِفْرَي الملوك والقواعد اللغوية للُّغة العبرية التي كُتِبَ بها السِّفْران ومحتوياتهما، تدلُّ على أنه قد تمَّ كتابتهما خلال الاحتلال البابلي. واستُكْمِلَت بعد سنة 561 ق.م، حيث إنَّ هذا هو تاريخ آخر حدث مُسجَّل فيها (2مل 25: 27-30). وبما إنه ليس هناك ذِكْرٌ لقورش ومرسوم التحرُّر الذي صَدَرَ منه في عام 539 ق.م، فربما تكون كتابة سِفْرَي الملوك قد أُكْمِلَت قبل هذا التاريخ. أمَّا سِفْر الملوك الأول فيُغطِّي حقبة من التاريخ قدرها 120 سنة من بداية حُكْم سليمان سنة 971 ق.م حتى نهاية حُكْم أَخزيا ملك إسرائيل سنة 852 ق.م. وتاريخ انقسام المملكة إلى شمالية وهي إسرائيل، وجنوبية وهي دولة يهوذا، كان سنة 931 ق.م.
موضوع السِّفْر ومضمونه الروحي:
+ ينقسم سِفْر الملوك الأول بوضوح إلى قِسمين رئيسيَّيْن هما: المملكة المتَّحدة تحت حُكْم الملك سليمان (من أصحاح 1 حتى أصحاح 11)، والمملكة المنقسمة (من ص 12 إلى ص 22).
+ يُوفِّر لنا سِفْر الملوك الأول تقييماً ذا توجُّه نبوي يُبيِّن الأسباب الروحية والمعنوية التي أدَّت إلى زوال المملكة المتَّحدة وانقسامها إلى مملكتين.
+ المادة المُستخدمة انتقائية للغاية بحيث لا يمكن اعتبارها مجرَّد سيرة للملوك. فمثلاً: عُمري كان واحداً من ملوك المملكة الشمالية الذي يُعتَبَر مِن أهم حُكَّامها من وِجهة النظر السياسية، ولكنه بسبب فساده الأخلاقي فإنَّ إنجازاته قد رُفضت في ثماني آياتٍ فقط (1مل 16: 21-28).
+ إنَّ سِيَر أولئك الملوك استُخدِمَت للتعليم بأنَّ الأمانة للعهد الإلهي لإله إسرائيل وحِفْظ ناموس الله، يُنشئ بركة؛ ولكن الارتـداد يُعاقَب بدينونة إلهية.
+ الجزء الأول من السِّفْر يتكلَّم عن روعة عصر سليمان. فكانت حكمة سليمان تُشير مباشرة إلى المسيح يسوع حكمة الله وكلمة الله: «الذي صار لنا حكمة من الله» (1كو 1: 30). كما أنَّ شهرة سليمان ومجده وغناه والصِّيت الذي تمتَّع به، إنما يُشير أيضاً إلى مملكة المسيح السماوية. فحُكْم سليمان صار مصدراً للمعرفة والحكمة والسلام والعبادة؛ ولكن، بالرغم من عظمة سليمان، فإنَّ ابن الإنسان قال عن مجيئه: «وهوذا أعظم من سليمان ههنا» (مت 12: 42).
+ وقد تمَّ إظهار الكثير من التركيز في سِفْرَي الملوك الأول والثاني على الخدمة النبويَّة للنبيَّيْن إيليا وأليشع، اللذين خدما رسالةً هامة في هذه الفترة كحلقةٍ مُبكِّرة بين نبوَّتهما وعصر الأنبياء اللاَّحقين كاتِبي أسفار الأنبياء.
+ هناك موضوعات مُعيَّنة تستحق الدراسة في هذا السِّفْر، سِفر الملوك الأول وسِفْر الملوك الثاني:
1. بناء هيكل سليمان وتدشينه (1مل 6-9).
2. التدبير الإلهي الذي بواسطته تحقَّق وعد الله لداود في قوله: «وأُعطي ابنَه سِبْطاً واحداً ليكون سِرَاجٌ لداود عبدي كلَّ الأيام أمامي في أُورشليم المدينة التي اخترتُها لنفسي لأضع اسمي فيها» (1مل 11: 36)، إشارة للمسيح الذي سيأتي من نسل داود.
3. انقسام المملكة (1مل 12) والأسباب التي أدَّت إلى ذلك.
4. العلاقة السياسية بين إسرائيل والأُمم المجاورة: مصر وسوريا وأشور وبابل.
5. حوادث الإنقاذ الخاصة للشعب التي كانت تتمُّ غالباً بواسطة الأنبياء الذين برزوا بوضوح في تلك الفترة، وبالأخص إيليا وأليشع.
+ وفيما يلي جدول تصويري لمحتويات السِّفْر
مُلخَّص مضمون السِّفْر:
أولاً: المملكة المتَّحدة (1: 1-11: 43):
1. تولية سليمان ملكاً (1: 1-2: 46):
أ - تعيين سليمان كملك (1: 1-53).
ب - تنصيب سليمان ملكاً (2: 1-46).
2. سليمان ملكاً (3: 1-8: 66):
أ - سليمان يطلب الحكمة من الله (3: 1-28).
ب - إدارة سليمان للمملكة (4: 1-34).
ج - بناء الهيكل وقصر سليمان (5: 1-8: 66).
3. انحدار سليمان كملك (9: 1-11: 43):
أ - تأكيد الله لعهده مع داود لسليمان (9: 1-9).
ب - جنوح سليمان عن العهد (9: 10-11: 8).
ج - تأديب سليمان لكسره العهد (11: 9-40).
د - موت سليمان (11: 41-43).
ثانياً: المملكة المنقسمة (12: 1-22: 53):
أ - انقسام المملكة (12: 1-14: 31):
1. سبب الانقسام (12: 1-4).
2. تملُّك يربعام على إسرائيل (من 931-910 ق.م) (12: 25-14: 20).
3. تملُّك رحبعام على يهوذا (من 931-913 ق.م) (14: 21-31).
ب - تملُّك ملكَيْن على يهوذا (15: 1-24):
1. أبيام بن رحبعام ملكاً على يهوذا (من 913-911 ق.م) (15: 1-8).
2. آسا بن أبيام ملكاً على يهوذا (من 911-830 ق.م) (15: 9-24).
ج - حُكْم خمسة ملوك على إسرائيل (15: 25-16: 28):
1. حُكْم ناداب بن يربعام على إسرائيل (من 910-909 ق.م) (15: 25-31).
2. حُكْم بعشا بن أخيَّا على إسرائيل (من 909-886 ق.م) (15: 32-16: 7).
3. حُكْم أَيْلة بن بعشا على إسرائيل (من 886-885 ق.م) (16: 8-14).
4. حُكْم زمري على إسرائيل (885 ق.م [لمدة 7 أيام]) (16: 15-20).
5. حُكْم عُمري على إسرائيل (من 885-874 ق.م) (16: 21-28).
د - حُكْم أخآب في إسرائيل (من 874-853 ق.م) (16: 29-22: 40):
1. خطية أخآب بن عُمري (16: 29-34).
2. خدمة إيليا النبي (17: 1-19: 20).
3. الحرب مع سوريا (20: 1-43).
4. قَتْل نابوت اليزرعيلي (21: 1-16).
5. موت أخآب (21: 17-22: 40).
ه - حُكْم يهوشافاط بن آسا في يهوذا (من 875-848 ق.م) (22: 41-50).
و - حُكْم أخزيا بن أخآب في إسرائيل (من 853-852 ق.م) (22: 51-53).
أورشليم تحت حُكْم سليمان:
خضعت مدينة أورشليم لتوسُّعات كبيرة في زمن حُكْم سليمان، وبحسب ما جاء في (1مل 3: 1)، فقد انتهى سليمان من بناء سور حول أورشليم كلها. وتُبيِّن الأبحاث الأثرية أنَّ سليمان قد زاد مساحة المدينة من 11 فداناً إلى 32 فداناً، كما أنَّ عدد سُكَّانها زاد عدَّة مرَّات. ويعود سبب الزيادة إلى أُسرة الملك سليمان نفسها. فقد كان له 700 زوجة و300 من (المحظيات) السراري (1مل 11: 3). أمَّا عدد الأبناء فلم يُذكَر، إلاَّ أنه من المتوقع أن يكون عدداً ضخماً.
انتشار شهرة سليمان:
كان تأثير سليمان على الاقتصاد والشئون السياسية قويّاً بسبب وسائل النقل والطُّرُق التي كانت تُمثِّل شبكة من الطُّرُق تربط المملكة بعضها بالبعض.
تخطيط هيكل سليمان:
أعظم تراث تركه الملك سليمان هو بناء الهيكل. وكان الملك داود يرغب في بنائه، ولكن الله منعه من ذلك، لأنه كان قد سُفِكَ في عهده دماءٌ كثيرة (1أي 28: 3). وهكذا صارت المهمة من نصيب سليمان الذي عُرِفَ بأنَّ عهده كان عهد سلام.
وقد بُدِئ في بناء الهيكل في ربيع السنة الرابعة لمُلْكه (966 ق.م)، واكتمل البناء في سبع سنوات (1مل 6: 1-38). وكان الهيكل مُطابقاً في تخطيطه لخيمة الاجتماع، إلاَّ أنه كان ضعف المساحة. وهكذا كان طوله 90 قدماً وعرضه 30 قدماً، ويتكوَّن من القُدْس وقُدْس الأقداس. وكان مثل خيمة الاجتماع مُتَّجهاً نحو الشرق، بينما كان قُدس الأقداس في أقصى الغرب. (يتبع)