الليتورجية الكنسية

عبادتنا اللِّيتورجيَّة
هي ترتيل عقائدنا الإيمانيَّة (1)


(1) عقيدة الخَلق في بعض النُّصوص اللِّيتورجيَّة
وعند بعض آباء الكنيسة

(تكوين 1:1، 16، 26، 31 ؛ إشعياء 11:45، 12، 18 ؛ عاموس 13:4 ؛ ملاخي 10:2؛
أعمال الرُّسُل 24:17-28 ؛ أفسس 10:2 ؛ كولوسي 12:1-17؛ عبرانيِّين 8:1-12 ؛
رؤيا 11:4)


القُدَّاس المرقسي (الكيرلسي)

- ”أنت الذي خَلق السَّمواتِ، وما في السَّمواتِ، والأرضَ وكلَّ ما فيها، البحارَ والأنهارَ والينابيعَ والبحيراتِ وما في جميعِها. أنت الذي خلقَ الإنسانَ كصورتِك وكشبهِك، وخلقت كلَّ الأشياء بحكمتك، نورِك الحقيقي، ابنِك الوحيد ربِّنا وإلهنا ومخلِّصنا وملكنا كلِّنا يسوع المسيح“.

القُدَّاس الباسيلي

- ”يا اللهُ العظيمُ الأبدي الذي جبل الإنسانَ على غير فساد“.

- ”الذي خَلق السَّماءَ والأرضَ والبحرَ وكلَّ ما فيها، أبو ربِّنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوعَ المسيح، هذا الذي خلقتَ الكُلَّ به، ما يُرى وما لا يُرى“.

- يقول الشَّماس: ”اطلبوا ... لكي المسيح إلهنا ... يتحنَّن على جبلته التي صنعتها يداه، ويغفر لنا خطايانا“.

القُدَّاس الغريغوري

- ”الذي (أي الابن) من أجل الصَّلاح وحدَه، ممَّا لم يكُن، كوَّنت الإنسان، وجعلته في فردوس النَّعيم“.

- ”خلقتني إنساناً، كمحبِّ البشر، ولم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديَّتي، بل أنا المحتاجُ إلى رَبوبيَّتِك. من أجل تعطُّفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن“.

- ”أنت الذي جبلتني ووضعت يدك عليَّ، وكتبتَ فيَّ صورة سُلطانك، ووضعت فيَّ موهبة النُّطْق“.

صلوات سرِّ المعموديَّة

- ”أيها الأزلي السيِّد الرَّب الإله، الذي جبل الإنسان كصورته ومثاله، الذي أعطانا سُلطان الحياة الدائمة. ثمَّ لما سقط في الخطيئة، لم تتركه، بل دبرت خلاص العالم بتأنُّس ابنك الوحيد ربِّنا يسوع المسيح“.

- ”يا جابل المياه وخالق الكُل، ندعو قوَّتك الطَّاهرة الذَّاتيَّة، الاسم الذي يفوق كلَّ الأسماء، الذي لابنك الوحيد يسوع المسيح ربِّنا ... نسألك يا ملكنا عن عبيدك، انقلهم وأبدلهم وقدِّسهم وقوِّهم ...“.

- ”... أيها الرَّب ضابط الكُل، إله آبائنا، الذي خَلق السَّماء والأرض وكلَّ زينتها، الذي خَلق المياه التي فوق السَّماء، وثبَّت الأرض على المياه، الذي جمع المياه إلى مكان واحد، الذي ربط البحر وغلق الأعماق وختمها باسمه ...“.

تسبحة نصف اللَّيل

- ”صنع الإنسان كشبهه وصورته، لكي يباركه“.

- ”يا لعظم الأعجوبة، أُخذ الضِّلع من جنب آدم، وجُبلت منه امرأة“.

وتتلخَّص عقيدة الخلق بحسب تعليم آباء الكنيسة فيما يلي:

1: 1 خَلق الكائنات من العدم.

1: 2 خَلق الإنسان على الخلود، وعلى صورة الله ومثاله.

1: 3 تدعيم النِّعمة التي نالها الإنسان في خَلقه، بالوصيَّة.

خاتمة

1: 1 خَلق الكائنات من العدم.

- الكائنات لم تُخلق من مادة أزليَّة(2)، والطَّبيعة لم تُخلق من تلقاء ذاتها.

- خَلق الكائنات يستوجب وجود فكر سابق.

- الكون خُلق من العدم، أي خُلق ممَّا لم يكن موجوداً من قبل. والعدم ليس هو الأزل.

- إذاً، الخلائق لها بداية لوجودها. وهكذا يظل الفارق هائلاً بما لا يُقاس بين الخالق وخليقته.

- لأنَّ الخليقة خُلقت من العدم، فهي لا تملك قدرة ذاتيَّة على البقاء، إذ من الممكن أن تعود إلى العدم.

- لذلك فالخليقة بإرادة الخالق خُلقت، وبإرادة الخالق هي كائنة أي موجودة(3).

- الابن الخالق أنعم على خليقته إذ أعطاها قبساً من حكمته، لكي تظهر المخلوقات أنها أعمالٌ جديرة بالله.

يوضِّح البابا أثناسيوس الرَّسولي، أوَّلاً، أنه لا يمكن أن تكون الطَّبيعة قد وُجدت من تلقاء ذاتها، أو أنها هي الله، فيقول:

[ إذا كان النَّاس يقفون هكذا منذهلين أمام أجزاء الخليقة، متوهِّمين أنها آلهة، فإنه يمكن توبيخهم ... لأنه إذا أخذ المرء أجزاء الخليقة منفصلة، وتأمَّل في كلٍّ منها على حدة، كالشَّمس مثلاً على حدة، والقمر على حدة، وأيضاً الأرض والهواء، والحرارة والبرودة، وعناصر الرُّطوبة والجفاف، وفصلها عن ارتباطها المتبادَل، فإنه يجد حتماً أنه لا يمكن أن يكون أحدها كافياً لنفسه، بل كلٌّ منها في حاجة لمساعدة الآخر، وأنها تحتفظ بكيانها بمساعداتها المتبادَلة.

إذاً فكيف يمكن أن تكون هذه الأشياء آلهة، وهي مفتقرة لمساعدة بعضها البعض؟ وكيف يليق أن نسأل منها أيَّ شيء، إن كانت هي أيضاً تطلب المساعدة لنفسها بعضها من بعض؟ لأنَّ الحقيقة المسلَّم بها عن الله، أنه ليس في حاجة لأيِّ شيء، بل هو معتمد على ذاته، مستقلٌّ بذاته، ومنه تستمد كلُّ الأشياء كيانها.

(ولعلَّهم يقولون): إنَّ الكُل هو الله. لأنه إذا ما اقترن الكُل معاً، لا يحتاج إلى معونة خارجيَّة، بل تكون المجموعة كافية لذاتها ومستقلَّة من كلِّ الوجوه. (وهذه الحُجَّة تُظهر فسادهم) لأنه إذا كان اقتران الأجزاء يكوِّن الكُل، وكان الكُل مكوَّناً من الأجزاء، فإنَّ الكُل يتضمَّن الأجزاء، وكلٌّ منها جزءٌ من الكُل. ولكن هذه بعيدة كلَّ البُعد عن فكرة الله. لأنَّ الله هو الكُل، وليس مكوَّناً من مجموعة أجزاء، ولا يحتوي على عناصر متعدِّدة] (رسالة إلى الوثنيِّين 4:27، 5 ؛ 1:28-3).

[ كثيراً ما عُرف الصَّانع بصنعته، حتى ولو كان غيرَ منظور ... فإن كان يوجد هنالك في كلِّ مكان، نظام لا اضطراب، وتناسب لا تباين، وترتيب لا تشويش، وكلُّ شيء في نظام متناسق؛ وجب علينا حتماً، بل دفعنا دفعاً أن نُدرك السيِّد الذي جمع كلَّ الأشياء معاً، وأحكمها، وأوجد فيها تناسقاً. لأنه وإن كان لا يُرى بالعَين، إلا أنه يمكن من رؤية نظام وتناسق الأشياء المضادة، أن ندرك ضابطها ومرتِّبَها وملكَها] (رسالة إلى الوثنيِّين 1:35، 1:38).

ويقول البابا أثناسيوس الرَّسولي:

[ معلومٌ أنَّ الكائنات لم تُخلق من تلقاء ذاتها، فإنَّ خلقتَها تستلزمُ وجودَ فكرٍ سابق. كما أنها لم تُخلق من مادة موجودة من قبل، لأنَّ الله ليس ضعيفاً. ولكن الله خَلق الكون من العدم، ومن غير سبق وجوده مطلقاً، بكلمته، كما يقول (أولاً) على لسان موسى: «في البدء خَلق الله السَّموات والأرض»(4) ... وإلى هذا يشير أيضاً بولس إذ يقول: «بالإيمان نفهم أنَّ العالمين أُتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكوَّن ما يُرى ممَّا هو ظاهر»(5)](6).

وتعقيباً على قول البابا أثناسيوس الرَّسولي، [ إنَّ خلق الكائنات يستلزم وجود فكر سابق]؛ يقول الرَّب بفم إرميا النَّبي: «قبلما صوَّرتُكَ في البطن عرفتُك. وقبلما خرجتَ من الرَّحم قدستُك. جعلتُك نبيًّا للشُّعوب» (إرميا 5:1).

ويقول البابا أثناسيوس الرَّسولي، مكرراً القَول:

[ الخلائق قد أتت من العدم، إذ لها بداية لوجودها. لأنه «في البدء خَلق الله السَّموات والأرض» (تكوين 1:1) وكلَّ ما هو موجود فيها](7).

ويقول البابا أثناسيوس الرَّسولي:

[ الله صالح، أو بالحري هو بالضَّرورة مصدر الصَّلاح، والصَّالح لا يمكن أن يبخل بأيِّ شيء. لذلك فإنه، إذ لا يضن بنعمة الوجود على أيِّ شيء، خَلَقَ كلَّ الأشياء من العدم بكلمته، يسوع المسيح ربِّنا](8).

• إذاً، فالخَلق هو نعمة موهوبة من الله الآب الخالق لخليقته. ولكن ما هي هذه النِّعمة؟ هذا ما يشرحه البابا أثناسيوس، أنها هي اتحاد كلمة الله الأزلي بالمخلوقات، فتشترك المخلوقات في الكلمة الذي يستمد وجوده الحقيقي من الآب. فيقول:

[السَّبب الذي لأجله اتحد الكلمة - كلمة الله - نفسه بالمخلوقات، هو عجيب حقًّا ... لأنَّ طبيعة المخلوقات - وقد برزت إلى الوجود من العدم - زائلة وضعيفة وفانية، إن كانت مكوَّنة من نفسها فقط(9) ... فإلهُ الكُل ... إذ رأى أنَّ كلَّ الطَّبيعة التي خُلقت زائلة وعُرضة للانحلال، وفق نواميسها، ولكي لا تنتهي إلى هذا المصير، ولكي لا يتحطَّم الكَون مرَّة أُخرى ويعود إلى العدم، لهذا خَلقَ كلَّ الأشياء بكلمته الأزلي، وأعطى الخليقة وجوداً كيانيًّا ... لكي تتمكَّن من أن تستقر آمنة دواماً، لأنها تشترك مع ”الكلمة“ الذي يستمد الوجود الحقيقي من الآب، وتستمد منه المعونة للوجود ... لأنه «هو صورةُ الله غير المنظور، بكرُ كلِّ خليقة. فإنه به وفيه كلُّ الأشياء كائنة، ما يُرى وما لا يُرى، وهو رأس الكنيسة»(10) كما يُعلِّم خُدَّام الحق، في كتاباتهم المقدسة](11).

(يتبع)

__________________________________

(1) المقال مأخوذ عن كتاب: محاضرات في ليتورجية كنيسة الإسكندرية، للراهب أثناسيوس المقاري.

(2) للقديس باسيليوس الكبير كتاب عن تفسير ستَّة أيام الخلق المسمَّاة: Hexameron، وهو عبارة عن 9 خُطَب، يشرح فيها الآيات (تكوين 1: 11-26)، ويدحض فيه النَّظرية الفلسفيَّة الكونيَّة عن أزليَّة الكون ووجوده الذَّاتي.

(3) «أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤ 4: 11).

(4) تكوين 1:1.

(5) عبرانيين 3:11 .

(6) تجسد الكلمة 1:3، 2.

(7) رسائل القديس أثناسيوس عن الروح القدس، 22:1.

(8) تجسد الكلمة 3:3.

(9) بحسب النص اليوناني: "إن كانت كائنة واعتمدت على ذاتها".

(10) كولوسي 15:1-18.

(11) الرسالة إلى الوثنيين 2:41، 3.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis