|
|
|
تحتل إقامة لعازر مكانة أساسية من حيث صداها وسط جميع المعجزات التي أجراها ربنا يسوع المسيح. وحينما نتذكَّر جيداً مَن الذي أجراها، فهذا يدعونا لأن نفرح بالأَوْلَى عِوَضاً عن أن نتعجَّب. إنسانٌ أقامه خالق الإنسان، وحيد الآب الذي به خُلِق كل شيء. وإن كان كل شيء به قد خُلِقَ، فما هو العجب في أنه أقام إنساناً في حين أن كثيرين يأتون إلى العالم كل يوم بقوته؟ إن خلقة الناس أعظم من إقامتهم ثانية من الموت. ومع ذلك فهو قد تنازل ليخلق ويُقيم ثانية معاً؛ ليخلق الكل وليُقيم البعض ثانية. لأنه مع أنَّ الرب يسوع أجرى كثيراً من مثل هذه الأعمال، إلاَّ أنَّ ليس جميعها مكتوباً (يو 20: 30)، ولكن اختيرت مثل هذه لتُكتب لأنها بَدَت كافية لخلاص المؤمنين.
إن الرب يسوع أقام ميتاً للحياة، وهذه هي مسرته. إنه يستطيع أن يُقيم جميع الأموات إلى الحياة. وقد احتجز هذا العمل بالذات لنفسه خاصة حتى نهاية العالم. لأنه إن كنتم قد سمعتم أنه أقام واحداً من القبر بعد أربعة أيام، فإنه هو نفسه يقول: «تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته» (يو 5: 28-29)...
معجزات مقارنة:
إننا نقرأ في الإنجيل عن ثلاثة أموات أقامهم الرب إلى الحياة، ودعونا نبحث في ذلك عن بعض المنفعة. لأن - يقيناً - أعمال الرب ليست مجرد أعمال بل آيات...
الأموات الثلاثة الذين أقامهم الرب يُشيرون، بصورة رمزية، إلى قيامة النفس التي تكمل في الإيمان:
+ لقد أقام ابنة يايروس وهي بعد راقدة في المنزل، إشارة إلى مَن يرتكبون الخطية فقط في أفكارهم، هؤلاء قد قتلتهم الخطية، ولكن موتهم داخلي، لأن الفكر الشرير لم يتطور بعد إلى فعل خارجي.
+ وأقام ابن أرملة نايين وهو محمولٌ خارج أسوار المدينة. إشارة إلى مَن يُضمرون فكراً شريراً ويفعلونه أيضاً، ولكنهم إن تابوا يُرجعهم الرب إلى أُمهم الكنيسة.
+ وأقام لعازر بعد موت أربعة أيام في القبر. وهذا نوعٌ خطير من موت الخطية لأنه يتصف بالاعتياد عليها حتى يصبح الخاطئ مقبوراً فيها، ويُقال عليه بحقٍّ إنه «قد أنتن» ورائحته الكريهة تفوح منه. ولكن قوة الرب يسوع لا تقصر أيضاً عن أن تُعيد مثل هذا الميت إلى الحياة. فليت لا ييأس أحدٌ قط...
«هذا المرض ليس للموت،
بل لأجل مجد الله»:
إن هذا التمجيد لم يُضِف شيئاً إلى مجد الرب بل إنه لمنفعتنا، حيث يقول (الرب) إنه «ليس للموت». فإجراء المعجزة كان ليؤمن الناس بالمسيح ولينجوا من الموت الحقيقي.
ولنُلاحِظ كيف أن الرب دعا نفسه هنا، كما بطريقة غير مباشرة، ”الله“؛ لأنه يُكمِل قائلاً: «ليتمجَّد ابن الله به»، لأن هناك مَن يُنكرون أن ابن الله هو الله. وبماذا سيتمجَّد؟ بذلك المرض!!
«وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر»:
كان واحدٌ مريضاً، والأُخريان حزينتين، كانوا جميعاً محبوبين: إن مَن أحبهم هو المنقذ من المرض، بل وأيضاً المُقيم من الموت، والمعزِّي للحزين.
«فلما سمع أنه مريض مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين». وطال الوقت إلى أربعة أيام ولم يكن ذلك عبثاً، فحتى هذا العدد له دلالة سرائرية.
«ثم بعد ذلك قال لتلاميذه: لنذهب إلى اليهودية أيضاً». لقد غادرها منذ قليل ليهرب ظاهرياً من الرجم، لأنه رحل منها كإنسان ورجع إليها، كما لو كان قد نَسِيَ كل عداوة فيها، ليُظهِر قوته الإلهية. وإذ كان التلاميذ متعجِّبين ومرتعبين من ذلك قال لهم يسوع:
«لعازر حبيبنا نام، ولكني أذهب لأُوقظه»:
لقد مات لعازر بالنسبة للأُختين، أما بالنسبة للمسيح فهو نائم فقط. مات بالنسبة للناس الذين لم يستطيعوا إقامته ثانية، أما الرب فقد أقامه من القبر بسهولة كبيرة كما نُقيم نحن نائماً من سريره. إذن، فهو قد دعاه نوماً نسبة لقوته الخاصة. والكتاب يتكلَّم أيضاً كثيراً عمَّن ماتوا أنهم ناموا (رقدوا) (1تس 4: 13)، لأنه يُنبئ عن قيامتهم. وهكذا فكل الأموات يرقدون، أبراراً وأشراراً، ولكن تماماً مثل الذين ينامون ويستيقظون يوماً فيوماً...
وقال التلاميذ للرب على قدر إدراكهم: «يا سيد، إن كان قد نام فهو يُشفى»، لأن نوم المريض يدلُّ عادةً على عودته للصحة. ولكن الرب يسوع كان يقول عن موته (أي موت لعازر) وهم ظنُّوه يقول عن نومه، لذا: «قال لهم يسوع حينئذ علانية: لعازر مات». لقد كان يعرف ذلك حتى وهو بعيد حينما أخبروه أنه مريض فقط، لأنه ماذا يمكن أن يَخْفَى عليه من أمره وهو الذي خلقه، وقد قَبِلَ روحه عند موته؟ وهذا هو السبب في أنه أكمل قائلاً: «وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا»، أي حينما يتعجَّبون الآن من إعلان الرب لموته الذي لم يَرَه ولم يسمع به. حقّاً كان التلاميذ يؤمنون مُسْبقاً بالرب من معجزاته، ولكنه قصد بهذه الكلمة أن يزداد إيمانهم ويصبح أكثر كمالاً وقوة...
«أنا هو القيامة والحياة،
مَن آمن بي ولو مات فسيحيا»:
لم تَقُل مرثا للرب: أنا أطلب منك أن تُقيم أخي حيّاً ثانيةً، لأنه كيف يمكنها أن تعرف أن هذه القيامة ستكون ذات نفع لأخيها؟ بل قالت فقط: «لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يُعطيك الله إيَّاه»، أي أنا أعلم أنك تستطيع، وكل ما تُسرُّ به تعمله، لأن عملك يتوقف على حكمك وليس على طلبي.
قال لها يسوع: «سيقوم أخوكِ». ولكنه لم يَقُل إنه سيُقيمه الآن، لذا كان لسان حالها: إني متأكِّدة من هذه القيامة، أما أنه يقوم الآن فلستُ متأكِّدة. قال لها يسوع: حسناً لأن مَن سيُقيمه في الزمان الآخير، سيُقيمه الآن أيضاً، لأني «أنا هو القيامة والحياة»...
«مَن آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل مَن
كان حيّاً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد»:
مَن آمن بي حتى ولو كان ميتاً، مثل لعازر، سيحيا، لأني لستُ إله أموات بل إله أحياء. أنا إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، لأن الجميع عنده أحياء (مت 22: 32؛ لو 20: 38،37). آمنوا، إذن، وحتى لو كنتم أمواتاً فستحيون. أما إن لم تؤمنوا فحتى في حياتكم فأنتم أموات. ولنذكر برهاناً على ذلك أنَّ واحداً أراد مرة أن يتبع المسيح، لكنه قال له: «ائذن لي أن أمضي أولاً وأدفن أبي. فقال له يسوع: اتبعني، ودَع الموتى يدفنون موتاهم» (مت 8: 22،21).
كان هناك ميتٌ ينبغي أن يُدفن، وكان هناك أيضاً أموات يدفنون الميت: كان الأول ميتاً بالجسد، والآخرون بالروح. وكيف تموت الروح؟ حينما ينقصها الإيمان. وكيف يموت الجسد؟ حينما تنقصه الروح. إذن، فحياة الروح هي الإيمان.
يقول المسيح: «مَن آمن بي»، فحتى لو كان ميتاً بالجسد، سيحيا بالروح؛ حتى يقوم الجسد أيضاً ثانية لكي لا يموت بعد أبداً. هذا هو «مَن آمن بي»، فرغم موته سيحيا. و«كل مَن كان حيّاً (بالجسد)، وآمن بي»، فرغم أنه سيموت يوماً ما موت الجسد «فلن يموت إلى الأبد»، من أجل حياة الروح وخلود القيامة. هذا هو معنى كلمات الرب هذه: «أتؤمنين بهذا؟ قالت له: نعم، يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم». حينما أُومِن بذلك أومِن بأنك أنت هو القيامة، وأنت هو الحياة: أومن أن مَن يؤمن بك، فرغم أنه يموت سيحيا؛ وكل مَن يحيا ويؤمن بك لن يموت أبداً...
«فلما رآها يسوع تبكي...
انزعج بالروح واضطرب»:
هناك أمر يريد الإنجيلي أن يوحي لنا به من هذا التعبير، لأنه مَن يستطيع أن يضطرب بإرادته إلاَّ هو نفسه؟ وعلى ذلك انتبهوا، يا إخوة، إلى القوة التي أدَّت إلى ذلك، ثم انظروا إلى المعنى:
+ أنت تضطرب ضد إرادتك؛ أما يسوع فقد اضطرب بإرادته.
+ يسوع جاع...، هذا حق؛ ولكن لأنه أراد ذلك.
+ يسوع نام، هذا حق؛ ولكن لأنه أراد ذلك.
+ يسوع حَزِنَ، هـذا حق؛ ولكن لأنـه أراد ذلك.
+ يسوع مات، هذا حق؛ ولكن لأنه أراد ذلك.
بقوته الخاصة حدث هكذا، وهو قد أراد هذا الأمر دون ذاك. لأن الكلمة أخذ نفساً وجسداً، موفِّقاً على نفسه كل طبيعتنا البشرية في وحدانية أُقنومه. لأن نفس الرسول قد استنارت بالكلمة؛ ولكن لم يُكتب عن أحد قط «والكلمة صار جسداً» (يو 1: 14)؛ وما قيل عن أحد قط: «أنا والآب واحد» (يو 10: 30). إنه مسيح واحد. والكلمة استخدم الضعف رهن إشارة إرادته، وهذا هو معنى ”اضطرب“. هذا عن القوة التي أدَّت إليه.
أما عن المعنى، فنحن قد رمزنا بميت الأربعة أيام وبدفنه إلى مجرم كبير. فلماذا اضطرب (الرب يسوع) إلاَّ ليوضِّح لك أنه كان ينبغي أن تتضايق أنت إذا سقطتَ وتحطَّمتَ تحت ثقل إثم كبير هكذا؟ لأنك أنت هنا تنظر لنفسك، وتُبصر ذنبك الخاص، وتعمل حساب نفسك: وأنا فعلتُ هذا، والله أنقذني؛ أنا ارتكبتُ هذا، والله احتملني؛ أنا سمعتُ الإنجيل واحتقرته؛ أنا قد اعتمدتُ ورجعتُ إلى سلوكي القديم. ويحي، ماذا أنا فاعلٌ؟ وإلى أين أنا ذاهب؟ أنَّى لي أن أهرب؟ حينما يكون هذا لسان حالك، فالمسيح يضطرب فعلاً، من أجل إيمانك. وكل مَن يضطرب هكذا، يأتي إلى نور رجاء قيامته ثانية...
«بكى يسوع»:
ليت الإنسان يحزن جداً على نفسه، لأنه لماذا بكى المسيح إلاَّ ليُعلِّمنا أن نبكي؟ ولماذا انزعج بالروح واضطرب إلاَّ ليُوضِّح لنا أنَّ مَن يتذرع فقط بحجة عدم الرضا عن نفسه، جدير أن يكون ذلك بمعنى الانزعاج من تبكيت الأعمال الشريرة، حتى ما يتبدَّل اعتياد الخطية، ويُعطي مجالاً لندم التوبة الشديد!
«أين وضعتموه»؟
هل تعرف يا رب أن لعازر مات ولا تعرف مكان دفنه؟ لابد أن المعنى هنا، أنَّ الإنسان الهالك يصبح كما لو كان مجهولاً لدى الله. إني لم أجرؤ على القول إنه يكون مجهولاً - لأنه أي شيء غير معروف لديه - ولكن كما لو كان مجهولاً. وكيف نُبرهن على ذلك؟ اسمعوا الرب المزمع أن يقول في الدينونة: «إني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني» (مت 7: 23). ماذا يعني ذلك؟ «إني لا أعرفكم»، إني لا أراكم في نوري، في ذلك البر الذي أعرفه. فهكذا قال هنا أيضاً كأنما هو لا يعرف شيئاً عن مثل هذا الخاطئ: «أين وضعتموه؟» وقد تكلَّم الله بمثل هذا الكلام أيضاً في الفردوس بعدما أخطأ الإنسان: «آدم، أين أنت؟» (تك 3: 9)
«قالوا له: يا سيد، تعالَ وانظر»:
”انظر“ هنا تعني ”ارحم“، لأن الله يرحم حينما ينظر، لهذا قيل: «انظر إلى تواضعي وتعبي، واغفر لي جميع خطاياي» (مز 25: 18).
«بكى يسوع. فقال اليهود: انظروا كيف كان يحبه». وماذا يعني التساؤل؟... «إني لم آتِ لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة» (مت 9: 13). «وقال بعض منهم: ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمي أن يجعل هذا أيضاً لا يموت؟» ولكن هذا الذي لم يعمل شيئاً يمنع موته، كان له هدف أعظم لإقامته من الموت.
«فانزعج يسوع أيضاً في نفسه،
وجاء إلى القبر»:
ليت انزعاجه يكون لك أنت أيضاً من أجل بلوغ غايته، إن كنتَ تريد أن تدخل الحياة ثانية! ليت كل مَن تكون أخلاقه في هذه الحالة الرهيبة، يُقال له: «وجاء إلى القبر، وكان مغارة، وقد وُضِعَ عليه حجر». ميت تحت الحجر، أي ”مذنب تحت الناموس“. لأنكم تعلمون أن الناموس الذي أُعطي لليهود كان مكتوباً على حجر (حز 31: 18). وجميع المذنبين هم تحت الناموس، الذين يعيشون بالاستقامة يتوافقون مع الناموس: «الناموس لم يوضع للبار» (1تي 1: 9). فماذا تعني، إذن، الكلمات؟
«ارفعوا الحجر»:
أكرزوا بالنعمة، لأن الرسول بولس يدعو نفسه خادم العهد الجديد. لأنه يقول: «لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل، أما الروح فيُحيي» (2كو 3: 6). الحرف الذي يقتل مثل الحجر الذي يسحق. إنه يقول: «ارفعوا الحجر»، أي ارفعوا ثقل الناموس، واكرزوا بالنعمة. لأنه إن كان قد أُعطِيَ ناموسٌ يهب الحياة، لكان البر حقاً بالناموس: «لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليُعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون» (غل 3: 21-22). لهذا قال: «ارفعوا الحجر». قالت له مرثا أُخت الميت: «قد أنتن، لأن له أربعة أيام»، «قال لها يسوع: ألم أقل لكِ:»
«إن آمنتِ ترين مجد الله»:
ماذا يعني بقوله: ترين مجد الله؟ إنه يستطيع أن يُقيم إلى الحياة مَـن قد أنتن وله أربعة أيام ميتاً: «إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله» (رو 3: 23).
و«حيث كثرت الخطية، ازدادت النعمة جداً» (رو 5: 20). «فرفعوا الحجر، حيث كان الميت موضوعاً. ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: أيها الآب أشكرك، لأنك سمعتَ لي، وأنا علمتُ أنك في كل حين تسمع لي، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلتُ ليؤمنوا أنك أرسلتني، ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم».
لقد انزعج وبكى وصرخ بصوت عظيم، بأية صعوبة يقوم مَن هو مضغوط تحت ثقل حمل اعتياد الخطأ! ومع ذلك فها هو يقوم مستيقظاً بالنعمة الخفية التي فيه، وبعد هذا الصوت العظيم يقوم. وماذا تبع ذلك؟ صرخ بصوت عظيم:
«لعازر هَلُمَّ خارجاً»:
«فخرج الميت، ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل». هل نعجب لأنه خرج ورجلاه مربوطتين، ولا نعجب لأنه قام من الموت بعد فترة أربعة أيام؟ إن قوة الرب هي التي أجرت كِلاَ العملين، وليست قوة الميت. لقد خرج وهو لا يزال مربوطاً. خرج فعلاً خارج القبر وهو بعد في كفن دفنه.
ماذا يعني هذا؟ حينما ترفض المسيح، فأنت مأسور بين أذرع الموت؛ وإن حاولت أن تبلغ إلى الأبعاد السالفة، فأنت بالأَوْلَى مدفون. أما إن اعترفتَ، فإنك تخرج. لأنه ما هو هذا الخروج إلاَّ الإفصاح علناً بما تقرُّ به عن حالتك، تاركاً خفايا الظلام القديمة.
ولكن الله هو الذي يدفعك إلى الإقرار باعترافك. حينما يصرخ بصوت عظيم، أو بتعبير آخر حينما يُناديك بالنعمة الغنية، ومع ذلك، فحينما خرج الميت، كان لا يزال مربوطاً؛ وحينما اعترف، كان لا يزال مذنباً؛ ولكي تُنزع عنه خطاياه، قال الرب للخُدَّام: «حلُّوه ودعوه يذهب». ماذا يعني بمثل هذه الكلمات؟ «ما تحلُّونه على الأرض، يكون محلولاً في السموات» (مت 16: 19).
تعليق:
+ يُعتبر الاحتفال بسبت لعازر، وتلاوة معجزة إقامة لعازر من الموت، فيه لمحة بارعة من الطقس الكنسي تحمل معاني عميقة؛ حيث كان معروفاً عن أيام السبوت أنها رمز الراحة والتوقُّف عن أعمال الحياة ونهاية الخليقة الترابية.
+ ولكن بعد معجزة هذا اليوم، يُعلِن سبت لعازر عن بداية جديدة للحركة والحياة وفكِّ ختوم الموت. وهكذا تجعل منه الكنيسة أحداً صغيراً أو قيامة صغرى.
+ وتتلو علينا الكنيسة أيضاً هذا الفصل من الإنجيل في قداس الأحد الرابع من شهر أبيب، حيث تدور قراءاته كلها عن كرازة الرسل كتعبير عن طبيعة وماهية إرساليتهم، أي إقامة موتى الخطية إلى الحياة.
[الفردوس الذي ظلَّ مغلقاً آلاف السنين، فتحه لنا الصليب اليوم. لأن اليوم أَدخل إليه الربُّ اللص (اليمين). وهكذا أكمل الرب اليوم عجيبتين: إنه فتح الفردوس؛ ثم إليه أَدخل قاطع طريق. اليوم أعاد لنا الرب وطننا القديم. اليوم أتى بنا إلى مدينتنا الأبوية. اليوم فتح باب بيته للبشرية جمعاء. اليوم قال: ”أنت ستكون معي في الفردوس“.
ما هذا الذي تقوله يا رب؟ أنت مصلوب ومعلَّق بالمسامير وتَعِد بالفردوس؟ نعم، لكي تعلم أنها هي قوتي التي على الصليب.
لقد كان حقاً مشهداً شديد القسوة، فلكي يُحوِّل نظرك عن منظر الصليب هذا، ويجعلك تعرف قوة المصلوب، أكمل الرب يسوع على الصليب هذه المعجزة التي كانت تشهد - أكثر من أية معجزة أخرى - لقوته، لأنه ليس بالقيامة من الموت، أو بانتهار البحر والريح، ولا بإخراج الشياطين، ولكن وهو مصلوب ومشدود بالمسامير، تنهال عليه الإهانات والبُصاق، والهُزء والشتائم؛ استطاع الرب أن يُغيِّر شريراً يحمل في جنباته روح قاطع طريق، حتى يتسنَّى لك بذلك أن ترى وجهيْ قوته: لقد هزَّ الكون وشق الصخور؛ ثم اجتذب نفس اللص التي كانت أشد قسوة من الصخر، ووهبه حظوة معه قائلاً: «اليوم تكون معي في الفردوس»...].
***************************************** (القديس يوحنا ذهبي الفم - العظة الأُولى عن الصليب واللص)
(1) مترجم باختصار عن:
. NPNF, 1st Series, Vol. VII, p. 270-278