تدبير الروح القدس
الحياة الباطنية للكنيسة
- 3 -
حياة الصلاة والعبادة


الصلوات الطقسية للحياة اليومية للمؤمن المسيحي
- 3 -
صلاة لقَّان الماء
أو قدَّاس اللقَّان (أو قدَّاس الماء)

من الصلوات الطقسية الهامة في حياة الكنيسة: صلاة لقَّان الماء. وكلمة ”لقَّان“ هي النُّطق العربي للكلمة القبطية lakanh ، وتعني نفس الكلمة اليونانية الواردة في الإنجيل، وترجمتها العربية ”مغسل“، وهو وعاء للماء لغسل الرأس واليدين والقدمين بالماء، وكان خادم البيت في عصر المسيح يصبُّ منه الماء على قدمي السيد حين رجوعه إلى البيت لتنظيفهما من غبار وتراب الطريق.
وتُسمِّي صلوات لقَّان هذه الخدمة الليتورجية بأنها ”هذا السر“ pai mucthrion .أثناء رشومات صلاة الماء قبل استدعاء الروح القدس للحلول على مياه اللقَّان. فهذه الخدمة الليتورجية تُشبه تماماً الخدمة الليتورجية لاستدعاء الروح القدس لتقديس الخبز والخمر في قداس سرِّ الإفخارستيا. وإن كان الفرق بين الخدمتين أن خدمة ليتورجية لقَّان الماء تؤدَّى ثلاث مرات فقط في العام (عيد الغطاس، خميس العهد، عيد الرسل). كما تُسمَّى هذه الخدمة في كتاب: ”اللقَّان والسجدة“ باسم ”قدَّاس اللقَّان“، أو ”قدَّاس الماء“.

ترتيب صلاة لقَّان الماء يوم خميس العهد

تبدأ صلوات قداس اللقان بقول الكاهن: ”ارحمنا“ و”يا الله الآب ضابط الكل“، تماماً مثلما تبدأ صلوات القداس الإلهي. ويقول المرتِّلون: ”نسجد للآب والابن والروح القدس... السلام للكنيسة“، ثم هذا النداء الذي يُقال دائماً في الأعياد السيِّدية (أي التي نُعيِّد فيها لحدث من الأحداث الخلاصية في حياة المسيح): ”يسوع المسيح، هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، بأقنوم واحد. نسجد له ونمجِّده“. وهذا النداء يُعلن حضور المسيح في وسط الكنيسة، شعبه الجديد، ببركات العيد الذي نحتفل به. وهذا هو معنى العيد في الكنيسة: إنه ليس مجرد ذِكرى تاريخية عَبَرَت وانتهت، بل هي إعادة حضور شخص المسيح ببركات الحدث الخلاصي الذي أتمه.

وبحسب القانون الإلهي: إن كل شيء «يُقدَّس بكلمة الله والصلاة» (1تي 4: 5)، تبدأ الخدمة بقراءة كلمة الله من الأسفار المقدسة.

قراءة النبوَّات من أسفار العهد القديم:

تبدأ قراءة النبوَّات عن هذا الحدث الخلاصي، من سفر التكوين (الأصحاح 18، الأعداد من 1-23)، حيث تُذكر حادثة ظهور الرب في شخص ثلاثة رجال ليُبشِّروا إبراهيم بميلاد إسحق ابنه. وفي هذا الأصحاح يُذكر نفس العمل الذي عمله المسيح مع تلاميذه، وهو أن إبراهيم أخذ ماءً وغسل أرجل ضيوفه الإلهيين الثلاثة.

ثم يُقرأ أصحاح من سفر أمثال سليمان الملك (أصحاح 9، الأعداد من 1-11)، وهو يدور حول ”الحكمة“ التي هي كلمة الله، وهي تدعو المؤمنين: «تعالوا إليَّ وكُلوا من خبزي واشربوا من خمري» (إشارة إلى سرِّ الخبز والخمر اللذين قدَّمهما المسيح في هذه الليلة ودعا الجميع إليهما: «خذوا كُلوا... خذوا اشربوا»).

ثم تتوالى النبوَّات من سفر الخروج عن عبور بني إسرائيل البحر الأحمر، وانغماس أرجلهم في الماء. ومن سفر يشوع عن وطء أرجل الإسرائيليين في المياه. ثم من سفر نبوَّات إشعياء النبي عن أن الرب يغسل أعمال بني البشر، ويدعوهم إلى الأكل والشرب المجاني من يد الله.

ثم من سفر نبوَّات حزقيال النبي: «سأنضح عليكم ماءً مختاراً وأُطهِّركم من جميع خطاياكم وأُنقِّيكم من سائر آثامكم». وفي موضع آخر يتكلَّم عن رؤياه عن الماء الخارج من تحت باب المذبح، حيث شرحها أنها المياه الخارجة من الجليل. ويصير أن كل نفس حية تدبُّ حينما يأتي ماء هذا النهر عليها تتطهَّر من كل شيء، وكل ما يأتي عليه ماء هذا النهر يطهر ويحيا.

وكل هذه النبوَّات تشير إلى مياه اللقَّان المُزمع تقديسها ولمفاعيلها في تطهير كل شيء.

القراءة من أسفار العهد الجديد:

وتبدأ بالقراءة من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس، حيث يتكلَّم عن وصايا للخدَّام والخادمات، ويضع من بين شروط الأرملة الخادمة أن تكون قد ”غسلت أرجل القديسين“ (على مثال المسيح في هذا اليوم).

ثم تأتي القراءة من الإنجيل وتسبقها القراءة من المزمور الخمسين: «تغسلني فأبيضُّ أكثر من الثلج».

ثم تأتي قراءة الحدث الذي تُعيِّد له الكنيسة في هذا اليوم من إنجيل يوحنا - الأصحاح 13 - الأعداد من 1-17، عن غسل المسيح أرجل تلاميذه وتعليمهم خدمة الاتضاع هذه، وتُختم بالدرس الذي نتعلَّمه منها: «فإن كنتُ أنا ربكم ومُعلِّمكم قد غسلتُ أرجلكم، فأنتم يجب أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعتُ أنا بكم، تصنعون أنتم أيضاً».

ثم تبدأ صلوات ”قدَّاس اللقَّان“.

صلوات قدَّاس اللقَّان (أو قداس الماء):

وتبدأ صلوات قدَّاس اللقَّان (أو قدَّاس الماء) بالأواشي السبع الكبار، وآخرها ”أوشية الموعوظين“، أي الذين يسمعون الوعظ تمهيداً لإيمانهم ودخولهم في عضوية الكنيسة بالمعمودية. وفيها نسمع الطلبة: ”وفي الزمن المحدود فليستحقوا حميم الميلاد الجديد لغفران خطاياهم، إذ تُعدُّهم هيكلاً لروحك القدوس“.

الطلبة الكبيرة:

ثم يُصلِّي الكاهن الطلبة الكبيرة التي تبدأ بالنداء على المسيح: ”يا مَنْ... نطلب إليك أيها المسيح اسمعنا وارحمنا“. ويُجيبه الشعب: ”يا رب ارحم“. وهكذا يُعدِّد الكاهن في ندائه للمسيح أفعاله الخلاصية من أجلنا مثل: ”اشتدَّ بمنديل كعبد...“، ”من أجل محبته للبشر صار إنساناً...“، ”أعدَّ لنا طريق الحياة...“، ”التَحَفَ بالنور كالثوب...“.

ثم يُقرِن كل عمل بحادثة: ”اشتدَّ بمئزرة وغسل أرجل تلاميذه، ونشَّفها“. وفي هذا الحشد من نداء المسيح بأفعاله الخلاصية، يُصلِّي الكاهن ويطلب من أجل ”صعود مياه النهر“، ”صعود نهر النيل“، ”بقاع مصر املأها بالدسم“، ”لتفرح حدود كورة (أرض) مصر“، «أعطِ طمأنينة وثباتاً وسلاماً للممالك»، ”أَنعِمْ لنا بالخصب وبمراحمك لسائر فقراء شعبك، ولتبتهج قلوبنا“.

وهذه الطلبة يُقابلها في ”قدَّاس القرابين“ صلاة الصلح.

هذه الطلبات وغيرها التي تشمل كل نواحي حياة المؤمنين، يختمها الكاهن برفع الصليب مُضاءً بالشموع، فيصرخ الشعب بـ ”يا رب ارحم“ 100 مرة. ثم يُتلى قانون الإيمان.

بدء صلوات قدَّاس المياه:

ثم يبدأ قداس المياه، بقول الكاهن البركة المثلثة: ”محبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح، وشركة وموهبة الروح القدس، تكون مع جميعكم“. ويقابلها نفس البركة في بدء قداس القرابين (القداس الغريغوري).

ومن حيث إننا في القداس الإلهي نرتفع بقلوبنا إلى السماء لنقف أمام الهيكل السماوي، وحول عرش الله، وذلك بنداء الكاهن: ”ارفعوا قلوبكم“، فيرد الشعب كله: ”هي عند الرب“؛ كذلك هنا في قداس المياه تبدأ صلواته بنفس الحركة الروحية السرائرية: الارتفاع إلى السماء، حيث يوجد الهيكل الحقيقي الوحيد، حيث عرش الله.

وهناك أمام هذا العرش الإلهي، يبدأ الكاهن قداس إفخارستيا (شكر) الرب، تماماً مثل قداس القرابين، بقوله: ”فلنشكر الرب“، ويرد الشعب: ”مستحق ومستوجب“.

ويُكمل الكاهن صلاة الشكر الليتورجي على المياه بقوله: ”أنت الإله الحقيقي وحدك الكائن منذ البدء، الذي أظهر المياه في علاليه، الذي جعل المياه الكثيرة في فَلَك السماء، هؤلاء (أي المياه الكثيرة) تبارك اسمك القدوس يا ملك الخليقة كلها، يا يسوع المسيح، نسجد لك، أيها الجالس على كرسي مجده، المسجود له من جميع القوات المقدسة“.

ويُنادي الشماس بنفس النداء في قداس القرابين: ”أيها الجلوس قفوا“، ”وإلى الشرق انظروا“؛ ثم يُنادي الشعب ويعترف: ”الشاروبيم يسجدون لك...“.

الرشوم الثلاثة على الماء بالصليب:

مثلها مثل الرشوم على قرابين الخبز والخمر. وهنا يرشم الكاهن ثلاثة رشوم بالصليب على المياه، ومع كل رشم يقول: ”آجيوس“ ”قدوس“. وفي نهاية الصلوات الخاصة بالرشوم، يُصلي الكاهن مُخاطباً الابن المتجسد: ”ودفعتَ ذاتك إلى الصليب المقدس من أجل خلاصنا“. ثم يذكر ”المثال“ الذي صنعه بغسله أرجل تلاميذه.

وهذه الرشوم الثلاثة مع الصلاة التي هي بمثابة اعتراف بعمل المسيح الخلاصي، هي المقدمة والتمهيد للتوسُّل إلى المسيح بالحلول الشخصي والحضور في وسط شعبه: ”اجعلنا مستحقين وحلَّ في وسطنا الآن، كما كنت مع تلاميذك الرسل القديسين“. والآن يتم الحضور الإلهي العظيم في وسط شعبه المؤمن.

وبهذا الحضور الإلهي للمسيح تبدأ صلوات رشومات المياه التي يرشمها المسيح نفسه:

+ ”وكما باركتَ في ذلك الزمان، بارك الآن - آمين“.

فالمسيح الآن هو الذي يُبارك بحضوره الشخصي:

+ ”طهِّر هذا الماء، ليكُن ماء الشفاء، غفران الخطايا، ماء الطهارة، خلاصاً وصحة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، موهبة طاهرة، ومحبة لبعضنا بعضاً وحواس نقية“.

+ ”طهِّر إنساننا الداخلي بثمرة هذا السرِّ“.

(وهنا تُسمِّي الصلاة هذا العمل الليتورجي الذي باركه المسيح بكلمة ”سر“. كما في الصلوات المقابلة في قدَّاس قرابين الخبز والخمر - القداس الغريغوري).

وأما ”ثمرة هذا السرِّ“، فهي:

+ ”وأَنعِمْ لنا بغفران خطايانا بحلول روحك القدوس علينا، ليُطهِّر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا من كل دنس الجسد وكل نجاسة وكل خطية. وامنحنا السلطان أن ندوس الحيَّات والعقارب وكل قوة العدوِّ، ولا تَدَعْ شيئاً من الآثام يتسلَّط علينا“.

استدعاء الروح القدس:

وهنا يبدأ الكاهن - كما في قداس القرابين وبنفس الألفاظ - استدعاء الروح القدس ”علينا“، و”على هذه المياه“: ”روحك القدوس البارقليط، جابل المياه، خالق الكل، يسوع المسيح ربنا“.

+ ثم يُصلِّي الشعب الصلاة الربانية، ويُصلِّي الكاهن التحاليل بعد انتهاء الشعب من الصلاة وإحناء الرأس لنوال الحلِّ ومغفرة الخطايا.

+ وكما في قداس القرابين، يصرخ الشماس للكاهن: ”خلصتَ حقّاً. ومع روحك“.

+ ثم يرشم الكاهن ماء اللقَّان ثلاثة رشومات ويُنادي: ”مباركٌ الرب يسوع المسيح ابن الله، وقدوسٌ الروح القدس. آمين“.

ويُجاوبه الشعب:

+ ”حقّاً، واحدٌ هو الآب القدوس. واحدٌ هو الابن القدوس. واحدٌ هو الروح القدس. آمين“، ”حقاً أومن“ (كما في نهاية رشومات قرابين الخبز والخمر).

+ ثم يبدأ الكاهن برشم الشعب بالشملة المبلولة بالمياه المقدسة. وفي هذه الأثناء يرتل الشمامسة المزمور المائة والخمسين.

+ + +

الكنيسة تُقدِّم الخليقة كلها لله بالشكر:

الحياة الباطنية للكنيسة - حياة الصلاة والعبادة - هي التي تجعل الكنيسة تقدِّم لله بالشكر كل عناصر الخليقة: المياه، الزيت، الخبز والخمر، كل ثمار الأرض، الزواج الطبيعي بين الرجل والمرأة، النفس البشرية، وكل الحياة؛ لكي يُقدِّسها الله بروحه القدوس، ويردَّها إلينا مرة أخرى لتكون واسطة للحياة الأبديـة، وسبباً لمغفرة الخطايا.

هذا هو معنى الأسرار الكنسية. وهذا هو ناموس الله الذي وضعه للبشرية أن يجعل الخليقة كلها تمجِّده وتسبِّحه وتشكره على خيراته، فيصير الكون كله تسبيحة وترنيمة لله. السموات تُحدِّث بمجد الله، والفَلَك يُخبر بعمل يديه، وكل ما في باطني يُبارك اسمه القدوس، والخليقة كلها تمجِّد الله.

**************************************************************************************************

اقرأ في موسم الخمسين المقدسة

للأب متى المسكين

القيامة والصعود 9 جنيهات
القيامة والخليقة الجديدة 75 قرشاً
القيامة والرجاء الحي 75 قرشاً
أين شوكتك يا موت؟ 75 قرشاً
مع المسيح في آلامه وموته وقيامته 175 قرشاً
لأعرفه وقوة قيامته 50 قرشاً
 

مقالات عن القيامة (منفصلة):

- القيامة - فرح القيامة 75 قرشاً
- المسيح قام .. حقًّا قام 75 قرشاً
- وأراهم نفسه حيّاً ببراهين كثيرة جنيه واحد
- القيامة والمصالحة 50 قرشاً
- القيامة والفداء في المفهوم الأرثوذكسي 50 قرشاً
- قيامة المسيح هي فرح البشرية الدائم 50 قرشاً



**************************************************************************************************

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis