مشاهد من الحياة الأرثوذكسية في أنحاء المسكونة


عيد القيامة والخمسين حسب طقس الكنيسة الإثيوبية


منظر كنيسة إثيوبية من الخارج

موسم عيد القيامة أو الاحتفال بقيامة الرب يسوع من بين الأموات، هو قلب السنة الليتورجية في الكنيسة الإثيوبية. وحتى تُعبِّر الكنيسة عن فرحتها بالقيامة، فإن الاحتفال يستمر فيها لمدة خمسين يوماً، بالإضافة إلى عدد غير محدد من الأيام حتى اليوم السابع عشر من الشهر الإثيوبي المُسمَّى ”ساني“. هذه الفترة يُطلق عليها موسم القيامة أو موسم الفصح.
هذا الزمن الطقسي، يمكننا أن نقسِّمه إلى قسمين كبيرين: الأول هو زمن القيامة، والثاني زمن الصعود. وكل موسم منهما ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

أولاً: زمن القيامة:

1. يوم عيد القيامة.

2. أسبوع القيامة حتى الأحد الأول (أحد توما).

3. الفترة التالية لأحد توما حتى ليلة الخميس عيد الصعود.

ثانياً: زمن الصعود:

1. الفترة من عيد الصعود حتى عيد حلول الروح القدس يوم الخمسين.

2. أسبوع عيد حلول الروح القدس.

3. الفترة الزمنية الممتدة من نهاية أسبوع الروح القدس حتى اليوم السابع عشر من شهر ساني (الموافق 25 يونية).

وحدة الزمن الطقسي لموسم القيامة:

وبالرغم من الاحتفال بعدة أعياد أثناء موسم القيامة والخمسين، مثل أعياد القيامة والصعود وحلول الروح القدس، فهناك عدة عناصر مشتركة للموسم بأكمله تجعل منه فترة زمنية واحدة، تُبرز الاحتفال الرئيسي وهو الاحتفال بعيد القيامة، وهذه العناصر هي:

أ - إطلاق اسم عيد الخمسين على عيد حلول الروح القدس، للإشارة إلى أن الفترة السابقة هي فترة واحدة طقسياً.

ب - يتميز القداس الإلهي طوال فترة الخمسين يوماً بعدة خصائص مميَّزة:

1. لحن افتتاحي.

2. لحن القيامة.

3. الحوار الفصحي.

ج - القراءات التي تُقرأ في قداس عيد القيامة هي نفسها التي تُقرأ في قداس عيد حلول الروح القدس، كتعبير عن وحدة العيدين معاً.

د – لا يُسمح بالصوم الانقطاعي طوال الخمسين يوماً.

هـ - في منتصف الخمسين يوماً تماماً، أي في يوم الأربعاء بعد 25 يوماً من عيد القيامة، هناك عيد يُطلق عليه ”عيد اجتماع الكهنة“.

كل هذه العناصر تؤكد على أن موسم القيامة هو عيد واحد، أو يوم أحد كامل يتكون من سبعة أسابيع كاملة، حسب تعبير العهد القديم (لا 23: 15)، ليمثل قلب سرِّ الإيمان المسيحي.

مساء قدَّاس عيد القيامة:

يبدأ الاحتفال بعيد القيامة بصلاة مساء عيد القيامة التي تبدأ مساء يوم السبت حوالي الساعة السابعة مساءً. وتبدأ الصلاة بقراءة سفر الرؤيا للقديس يوحنا، والتي تُمثِّل في الحقيقة صلاة الساعة السادسة ليوم السبت. ويجب قراءة سفر المزامير بأكمله، حيث يتم توزيعه على أعضاء الخورس في الكنيسة. أما أكبر الكهنة فيلتفت إلى الشرق ويقوم بقراءة إنجيل القديس يوحنا كله.

كما تتضمن القراءات بعض نصوص من العهد القديم، من أسفار التثنية وإشعياء وإرميا وحبقوق وزكريا وسفر الحكمة وبعض آيات مختارة من سفر المزامير. يعقب ذلك قراءة صفحة من رسالة للبابا سانوثيوس (شنودة) بطريرك الإسكندرية من كتاب ”اعترافات الآباء“(1)، بعدها عظة بعنوان مراثي مريم، وهي منسوبة للقديس سرياقوس أسقف البهنسا. كما يُقرأ أيضاً من كتاب قديم باللغة الأمهرية عن ”معجزات مريم ومعجزات المسيح“.

باكر قداس عيد القيامة:

ويبدأ حوالي الساعة العاشرة مساءً، بعد الانتهاء من صلاة مساء العيد. وتستهل الصلاة بلحن للسيدة العذراء: ”نعظِّمك دائماً، يا سيدتنا، القديسة أم الله، وبتواضع نرفع عيوننا إليكِ، لأنكِ نلتِ رحمة من محب البشر“.

ثم يرتل الخورس بهذه المديحة: ”الليلويا للآب، الليلويا للابن، الليلويا للروح القدس. عيِّدوا عيداً بالفرح إلى قرون المذبح. هذا الفصح هو القانون الأول... السماء تحتفل بالعيد، والملائكة تحتفل بالعيد. والأرض أيضاً، التي اغتسلت بدم المسيح، تحتفل بالفصح.

بعد ذلك يبدأ الكاهن بصلاة الشكر أمام الهيكل الذي يكون مكسوّاً بكسوة تُلائم يوم العيد. وقبل صلاة الثلاثة تقديسات يُنشد مديح القيامة ثلاث مرات: ”المسيح قام من بين الأموات، بالموت داس الموت. والذين في القبور أنعم لهم بحياة الراحة الأبدية“. ثم يُقرأ المزمور (77: 65-66 سبعينية): «استيقظ الله مثل النائم. وكمثل قوي قد أفاق من الخمر. فضرب أعداءه إلى الوراء». ثم يُقرأ إنجيل القيامة من الثلاثة أناجيل (مت 28: 1-20؛ مر 16: 1-20؛ لو 24: 1-12).

ثم يُحضِر الشماس الصليب إلى خورس الشمامسة، ويبدأ قائد التسبيح بالترتيل، يتبعه باقي الخورس، ثم يُردِّد معه كل المصلين في الكنيسة قائلين: ”الليلويا: اليوم، في يوم سبت (أي راحة) المسيحيين (الأحد) نفرح لأن المسيح قام من بين الأموات. لقد قدَّس هذا اليوم وكرَّمه فوق جميع الأيام، وأيضاً رفَّعه جداً. بالحقيقة قام من بين الأموات. وقد كسر الأبواب النحاسية، وقهر الموت. الابن قام في اليوم الثالث وخلَّص أنفس الأبرار من الظلمة وظلال الموت. وقد أخبر أيضاً تلاميذه: سوف أسبقكم إلى الجليل“.

ثم يحمل الجميع الشموع في أيديهم ويبدأون بدورة القيامة ثلاث مرات وهم ينشدون: ”أرسِلْ نورك علينا نحن المؤمنين بقيامتك“.

وبعد الانتهاء من الدورة تُختم الصلاة، ثم يقف الكاهن أمام الهيكل ويتقدم الجميع ليقبِّلوا الصليب الكبير الذي بيده، ثم يقول الكاهن الحوار الفصحي:

الكاهن: المسيح قام من بين الأموات.

الشعب: بقوة عظيمة واقتدار.

الكاهن: لقد قيَّد الشيطان.

الشعب: وأطلق آدم حراً.

الكاهن: سلام.

الشعب: سلام.

الكاهن: منذ الآن وكل أوان.

الشعب: يكون فرح وسلام.

أثناء ذلك يرتل الخورس: ”لتفرح السموات، ولتبتهج الأرض، ولتنفخ أعماق الهاوية بالقرن. لتشدو الجبال والتلال وأشجار الحقل ترنُّماً. لأن اليوم هناك فرح عظيم في السماء. كذلك الأرض التي اغتسلت بدم المسيح، تحتفل بالفصح“. بعد ذلك يبدأون صلاة قداس عيد القيامة.

قداس عيد القيامة:

يبدأ القداس بعد منتصف الليل، وتدور قراءات القداس حول موضوع القيامة. فالبولس من رسالة كورنثوس الأولى (15: 20-40): «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين». والكاثوليكون من رسالة بطرس الأولى (1: 1-12): «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات». والإبركسيس من سفر الأعمال (2: 22-36): «فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهود لذلك». والمزمور (117: 24-25 سبعينية): «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونفرح فيه، يا ربُّ خلِّصنا». ثم إنجيل القيامة من إنجيل القديس يوحنا (يو 20: 1-18).

(ونلاحظ أن هذه القراءات تشبه قراءات عيد القيامة في الكنيسة القبطية، باستثناء فصل الكاثوليكون الذي يأتي من الأصحاح الثالث من رسالة بطرس الأولى وليس الأصحاح الأول). ثم يُصلَّى بقداس القديس ديسقوروس بطريرك الإسكندرية.

سمات قداس عيد القيامة والخمسين:

هناك سمات خاصة يتميز بها القداس ابتداءً من عيد القيامة وحتى نهاية فترة الخمسين المقدسة، كما ذكرنا سابقاً، وهي:

1 – اللحن الافتتاحي الذي يُتلى أثناء خدمة الاستعداد للقداس(2)، وهو: ”الليلويا، يوسف ونيقوديموس كفَّنا بأكفان كتانية يسوع الذي قام من بين الأموات بكيفية عجيبة“.

2 – لحن القيامة، وهو اللحن المشهور في كثير من الليتورجيات، ويُصلَّى قبل الثلاثة تقديسات، ويتميز بإضافة عبارة ”الراحة الأبدية“ في نهايته: ”المسيح قام من بين الأموات، بالموت داس الموت، والذين في القبور أنعم لهم بحياة الراحة الأبدية“.

3 – الحوار الفصحي، ويُقال قبل قراءة الإنجيل، وهو نفس الحوار الذي قيل في صلاة المساء لقداس عيد القيامة.

أسبوع عيد القيامة أو أسبوع الفصح

كما في كتابات الآباء:

وهو الأسبوع الأول من الخمسين المقدسة، ويُحتفل فيه بعيد القيامة يومياً، ويتميز بإقامة القداس، مع إلقاء عظة يومية. ومن المرجَّح أن هذا الطقس يرجع إلى أوائل القرن الثالث الميلادي، إذ كان من عادة الكنيسة أن تُلقي مثل هذه العظات على الموعوظين الذين اعتمدوا حديثاً ونالوا سر التناول لأول مرة يوم عيد القيامة، وذلك لتشرح لهم الأسرار الكنسية بطريقة أكثر عمقاً وشمولاً.

وغالباً ما تكون قراءات القداس طوال الأسبوع هي نفسها قراءات قداس عيد القيامة المجيد.

الأحد الأول بعد القيامة:

ويُسمَّى أحد الكمال، أي كمال أسبوع عيد القيامة ويُسمَّى ”أسبوع الفصح“؛ أو أوكتاف القيامة، أي اليوم الثامن للقيامة؛ كما يُدعى أيضاً ”أحد توما“. ويُعتبر هذا اليوم أحد الأعياد السيدية التسعة الكبرى في الكنيسة الإثيوبية.

ويُقرأ في هذا اليوم إنجيل ظهور الرب يسوع للتلاميذ ومعهم توما (يو 20: 10-31)، وهو فصل الإنجيل المعروف والمشترك في الطقوس القبطية والبيزنطية وأيضاً في تقليد كنيسة روما.

عيد الكهنة:

ويقع يوم الأربعاء، اليوم الخامس والعشرين بعد عيد القيامة، في منتصف فترة الخمسين المقدسة. ويذكِّرنا هذا العيد بيوم خميس العهد الذي فيه غسل الرب يسوع أرجل تلاميذه، وأمـرهم أن يفعلوا هكذا بعضهم ببعض (يو 13: 14).

وهكذا يجري في هذا اليوم طقس غسل الأرجل. ويقول التقليد الإثيوبي إنه في مثل هذا اليوم اجتمع الرسل الاثنا عشر مع الاثنين والسبعين رسولاً في علِّية مريم أم مرقس الرسول للصلاة في انتظار حلول الروح القدس.

أما عادة اجتماع الكهنة فمصدره القانون الذي أصدره مجمع نيقية عام 325م، بأن يجتمع أساقفة كل مقاطعة مرتين كل عام. ومن قراءات قداس هذا اليوم، الإبركسيس الذي يُذكِّرنا باجتماع الآباء الرسل في أورشليم (أع 15: 22-36). وآية مزمور الإنجيل: «كهنتك يلبسون البر وأبرارك يبتهجون» (مز 131: 9-10 سبعينية)، وفصل الإنجيل عن مسئولية الكاهن تجاه الخروف الضال (مت 18: 12-22). وفي هذا اليوم يُصلَّى بقداس القديس باسيليوس.

عيد الصعود:

وبه يبدأ موسم الصعود، وهو القسم الثاني من الاحتفال بالزمن الطقسي للقيامة. ويقع هذا العيد يوم الخميس في اليوم الأربعين من عيد القيامة. ويُسمَّى في الكنيسة الإثيوبية عيد الصعود أو عيد الأربعين (بعالا أربعا).

تدور قراءات باكر قداس هذا اليوم حول صعود رب المجد إلى السماء. فالمزمور هو: «رتلوا لله الذي صعد إلى السماء نحو المشارق، هوذا يعطي صوته صوت قوة» (مز 67: 34 سبعينية)، ثم من إنجيل القديس لوقا: «وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعِدَ إلى السماء» (لو 24: 45-53).

كما تدور قراءات القداس حول نفس المناسبة. فيقول البولس: «بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي» (عب 1: 1-14)، والكاثوليكون: «الذي هو في يمين الله، إذ قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مُخضعة له» (1بط 3: 18-22). والإبركسيس من سفر الأعمال يورد حادثة صعود الرب يسوع بعد أن بارك تلاميذه (أع 1: 1-11).

ومزمور القداس: «صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق، رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لملكنا رتلوا» (مز 46: 6-7 سبعينية). أما الإنجيل فمن إنجيل القديس مرقس: «ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله» (مر 16: 14-20). ويُصلَّى بقداس القديس ديسقوروس بطريرك الإسكندرية.

ومن تراتيل هذا اليوم:

”الليلويا، نؤمن بإله واحد، أب الجميع، وبالابن، يسوع المسيح، مخلِّصنا، الذي مات ليُخلِّصنا، وهو مُخلِّص الجميع. الذي بذل حياته من أجلنا.

اليوم نفرح فرحاً عظيماً، لأنه قام، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب. لقد أخذ جسده منا، والآب أعطاه مجداً. لقد أخذ جسده منا، وقد تمجَّد بالآب.

لقد قام، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب وسوف يأتي بمجد. اليوم لنا فرح عظيم. إن الذي كله نار، صعد في سحاب. لقد تمجَّد الابن بالآب“.

أحد الصعود:

وهو يوم الأحد الواقع بين عيد الصعود وعيد حلول الروح القدس. وتدور قراءات القداس حول صعود الرب إلى السماء. ويُصلَّى أيضاً في هذا العيد بقداس القديس ديسقوروس بطريرك الإسكندرية. ومن مردات قداس هذا اليوم:

”الليلويا، الليلويا، الليلويا، في يوم الأحد دخل القارب، وانتهر البحر وزجر الرياح، وقال لهم: لا تضطربوا ولا تدعوا الشك يدخل إلى قلوبكم. كما أرسلني الآب، أُرسلكم أنا. في بيت أبي منازل كثيرة. سوف آتي ثانية لآخذكم، حتى تكونوا معي في ملكوت أبي السماوي.

الرحمة والبر التقيا، العدل والسلام تلاثما، وذلك حتى يستعلن غِنَى مجده: المسيح قام من بين الأموات، وصعد إلى السماء بمجدٍ، وجعل يوم الأحد للراحة الأبدية“. +

(1) مخطوطة قديمة محفوظة في كل الأديرة القبطية، وتحوي أقوال آباء الكنيسة اللاهوتيين عن العقيدة الأرثوذكسية المختصَّة بسرِّ التجسُّد وطبيعة المسيح.
(2) The Liturgy of the Ethiopian Church, Translated by the Rev. Marcos Daoud,1959, p. 22. ”قداسات الكنيسة الإثيوبية“، تعريب القس مرقس داود، مارس 1959.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis