من مخطوطات الدير |
|
|
الأصحاح الرابع
+ من الرؤيا: قال: «ثم بعد هذا نظرتُ باباً في السماء مفتوحاً. والصوتُ الأول الذي كلَّمني الذي سمعتُه كمثل صوت القَرْن قال لي: اصعد إلى ها هنا لأُريك ما يكون بعد هذا. فَسِرتُ بالروح ورأيتُ كرسياً في السماء، والجالسُ عليه يُضيء مثل حجر المَها والياقوت، ونهراً ما حول الكرسي كمثل الزبرجد، وحول الكرسي أربعة وعشرين كرسياً وأربعة وعشرين قسيساً جلوساً على الكراسي، لابسين ثياباً بيضاً، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب، وبروقٌ تخرج من الكرسي وأصواتٌ ورعدٌ، وسبعة مصابيح نار محيطة بالكرسي، الذين هم سبعة أرواح الله» (رؤ 4: 1-5).
+ التفسير: «الأربعة والعشرين قسيساً» هم ملائكة روحانيون، وسمُّوا بهذا الاسم للخدمة التي هم قائمون بها، وعلى أيديهم ترتفع صلوات القديسين، ويشفعون من أجل العالم. وقوله إنهم «جلوس على كراسي» يدلُّ على كرامتهم.
وهؤلاء أصحاب الكراسي الذين ذكرهم (القديس) باسيليوس في القداس عندما ذكر التسع رتب الروحانيين القائمين أمام الله، قائلاً: ”أنت الذي قيامٌ قدامك الملائكة ورؤساء الملائكة والرؤساء والسلاطين والكراسي والأرباب والقوات“، ثم ذكر بعدهم ”الكاروبيم والسارافيم“. وقد أعلمنا حقيقة ذلك الرسول بولس المنتخَب في رسالته لقولاسايس (كولوسي)، إذ يقول عن الابن الخاص أنَّ: «به خُلِقَ كلُّ شيء في السماء وعلى الأرض، من ذوي الكراسي والأرباب والرؤساء والمُسلَّطين، وكل شيء بيده وبه خُلِقَ، وهو قبل الأشياء كلها. وبه ثبات كل شيء. وهو رأس جسد الجماعة، والبِكْر في الانبعاث من بين الأموات، ليكون مُقدَّماً في كل شيء، لأن التمام كله فيه وبه» (كو 1: 16-18).
+ من الرؤيا: «ورأيتُ قدام كرسي الله كمثل نهر زجاج خارج بشبه المَها (البلُّور) وفي وسط الكرسي الأربعة حيوانات: الأول يُشبه الأسد، والثاني يشبه الثور، والثالث يشبه الإنسان، والرابع يشبه نسراً طائراً. وكل واحد منهم مملوءاً عيوناً من أظافيرهم(1) إلى داخلهم. ولكل منهم ستة أجنحة، ولا يفترون قائلين قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت، الكائن الذي لم يزل الآتي. وإذا قال الأربعة حيوانات هذا المجد للجالس على الكرسي الحي إلى الأبد، يَخُرُّ الأربعةُ والعشرون قسيساً على وجوههم أمام الكرسي، ويسجدون أمام الحي إلى الأبد، ويتركون أكاليلهم أمام الكرسي قائلين: أنت مستحقٌ أيها الرب إلهنا (أن تأخذ) المجدَ والكرامةَ والقوة، لأنك خالق الكل بمشيئتك. ورأيتُ عن يمين الجالس على الكرسي كتاباً مكتوباً داخل منه وخارج (أي من الوجهين)، مختوماً بسبعة خواتيم. ورأيتُ ملاكاً شديداً يصرخ بصوتٍ عال: مَن هو أهلاً أن يفتح هذا الكتاب ويفك هذه الختوم؟ فلم يقدر أحدٌ مِن مَن في السماء على فتح الكتاب ولا (أن) ينظر إليه» (رؤ 4: 6-5: 3).
+ التفسير: «الكتاب» هو سرُّ تدبير أزمان العالم، فلم يقدر على ذلك إلا خالق الكل. و«السبع خواتيم» سرٌّ على كمال العالم، وهي سبع آلاف سنة، وفي كل خاتم منها، ما (يحدث) في تلك الألف سنة أولاً بأول.
الأصحاح الخامس
+ من الرؤيا: «فبكوا جميعُهم لأنه لم يكن فيهم أحدٌ يستحق أن يفتح ذاك الكتاب ولا (أن) ينظر ما فيه. فأتى إليَّ أحد القسوس الروحانيين فقال لي: لا تبكِ، قد غَلَبَ الأسدُ الذي من سبط يهوذا، وأصل داود، وهو الذي يفتح هذا الكتاب ويفكُّ ختومه. ورأيتُ في وسط الكرسي والقسوس الروحانيين والأربعة حيوانات غير المتجسدة، خروفاً واقفاً مذبوحاً، وله سبعة قرون وسبع عيون، الذين هم سبعة أرواح الله، التي يُرسلها إلى كافة الأرض» (رؤ 5: 4-6).
+ التفسير: «أحدُ القسوس» هو أحدُ القوات العقلية غير المتجسدة، أصحاب الكراسي.
وقوله ليوحنا: «لا تبكِ، قد ظهر الأسد من سبط يهوذا»، مثل قول يعقوب إسرائيل ليهوذا ولده، نبوَّة على سيدنا المسيح: «إنك يهوذا ولدي فرخ الأسد (أي شبل الأسد)، إذا رقدتَ مَن يستطيع (من البشر) أن يوقظك» (تك 49: 9)، عَنِيَ موت الرب وقيامته. كما قال الرب: «لي سلطانٌ أن أضع روحي، ولي سلطان أن آخذها أيضاً» (يو 10: 18)، وهو الذي غلب وقهر العدو المضاد لجنسنا بآلامه المحيية (كو 2: 15)، وله السلطان على كل الأزمان (1بط 5: 11)، لأنه خالق الأوقات وهو قبل كل زمان (كو 1: 17).
وقوله: «رأيتُ خروفاً مذبوحاً»، فمعلوم أن الخروف غير الأسد، وقد سماه بهذين الاسمين:
+ فهو خروفٌ بحق لأجل دِعةِ قلبه، ورَفْعِِِهِ ذاتَه عنا قرباناً مقدساً، كنبوَّة إشعياء: «كمثل خروف سِيق إلى الذبح» (إش 53: 7)، ويوحنا المعمدان يقول: «هذا حمل الله الذي يحمل خطايا العالم» (يو 1: 29).
+ وهو «أسدٌ» بحق لأنه غَلَبَ وقَهَرَ بالصليب المقدس أولئك الذي لا يُغلبون بسلاح جسداني (كو 2: 15)، وأعطانا بهذا مثالاً إنَّا بالوداعة والاتضاع نغلبُ المعاندَ لجنسنا. كما قال: «تعلَّموا مني فإني وديعٌ وساكنُ القلب، وتجدون راحة لنفوسكم» (مت 11: 29).
وقوله: «قائماً مذبوحاً»، فمعلوم أن الذي يُذبح يموت؛ أما هذا فإنه قائمٌ حيٌّ قاهرٌ غير مغلوب، عَنِيَ أنه وإن كان تألم ومات عن كافتنا بالجسد المأخوذ منا، فهو باقٍ حيٌّ بقوة لاهوته لم يَزَل. وإن كان ظهر متجسِّداً فله شرف الربوبية أزلياً مع الآب والروح.
وأما قوله: «سبعة قرون»، عَنِيَ رأس أزمان العالم بأسرها، السبعة آلاف الذين كانوا منها، والذين هم مزمعون أن يكونوا ويكملوا على يديه، لأنه «الأول والآخِر» كما قال (رؤ 1: 11).
وقوله: «له سبع عيون الذين هم سبعة أرواح الله»، عَنِيَ المواهب المختلفة الأنواع، التي تُعطى بهذا الروح الواحد، كما ذكر بعد ذلك قائلاً: «الذي يُرسله في كل الأرض»، عَنِي أنه روح فاعل بسلطان وقوة واقتدار، لأنه منبثقٌ من الآب بلا ابتداء، مستقرٌّ في الابن بوحدانية، بلا انتهاء؛ إذ الابن له كل ما للآب، مساوٍ له في الجوهر، ولا يُميَّز إلاَّ في الخواص لا غير، وهي الأبوة والبنوة والانبثاق، وهو إذاًَ واحدٌ في كل شيء، في الفعل والقوة والضباطة (أي القدرة على كل شيء وتدبير كل الخليقة – ”ضابط الكل“) واللاهوتية والأزلية، بلا تجزُّء، لاهوت واحد غير مفترق، له المجد دائماً.
+ من الرؤيا: قال: «فأتى وأخذ الكتاب من يمين الذي هو جالس على الكرسي. فلما أخذ الكتاب، خرَّ له الأربعة حيوانات، والأربعة وعشرون قسيساً، وسجدوا أمام الحمل، ومع كلِّ واحد منهم قيثارة وجامات ذهب مملوءة بخوراً، وهو صلوات القديسين» (رؤ 5: 7-8).
+ التفسير: عَنِيَ (بقوله): «أخذ الكتاب من يمين الجالس على الكرسي» السلطانَ الذي له مع الآب دائماً، وأنه مسلَّطٌ على الأزمان وعالمها.
وقوله: «خرَّ له الكاروبيم والقسوس»، بيَّن لاهوت الكلمة المساوي مع الآب في الضباطة (القدرة على كل شيء وتدبير كل الخليقة) والأزلية، وهو خالق كل شيء كما يقول الإنجيل والرسول أنَّ «به خُلِقَ كل شيء، وبغيره لم (يكن) شيء مما كان» (يو 1: 3).
(يتبع)
هوامش المقال:
(1) أظفار الجلد: ما تكسَّر منه فصارت له غضون (المعجم الوسيط). فالأظفار هنا بمعنى الجلد، أي من خارجهم إلى داخلهم.