أخبار الكنيسة


القديس حبيب جرجس
(1876-1951م)


الأرشيدياكون حبيب جرجس مدير المدرسة الإكليريكية

في يوم الخميس الموافق 20 يونية 2013م، اجتمع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، وتم إعلان قداسة البابا كيرلس السادس؛ والأرشيدياكون حبيب جرجس، وذلك بعد مرور 62 عاماً على نياحته، وبناءً على هذا القرار يمكن بناء الكنائس على اسمه، بالإضافة إلى إمكانية ذكره في مجمع القدِّيسين الموجود في كِلا الخولاجي المقدس (كتاب صلوات القداس الإلهي) والأبصلمودية المقدسة (كتاب التسبحة).
ونُقدِّم هنا عرضاً لحياة ونشاط القديس حبيب جرجس:

حياته الأولى:

( ولد حبيب جرجس في القاهرة عام 1876م.

( وهو سليل عائلة قبطية مشهورة في بلدة ”أولاد إلياس، مركز صدفا، محافظة أسيوط“. ومن أبناء هذه الأسرة الآن آباء كهنة ورهبان وعلماء في القاهرة وبلدة أولاد إلياس وغيرها.

( تربَّى على يد والدين تقيَّيْن سلَّماه الحياة المسيحية والتقوى والتقاليد الأخلاقية القبطية التي كانت هي سمة التربية لأبناء الأقباط في تلك الأجيال القديمة، حيث لم تكن هناك مدارس بالمعنى المعروف الآن؛ بل كان هناك في ذلك الزمان الكُتَّاب القبطي داخل الكنيسة، حيث يقوم ”المعلِّم“ بتلقين الأطفال: القراءة والكتابة وحفظ المزامير والحساب واللغة القبطية ومَرَدَّات الكنيسة، وغير ذلك من الدروس النافعة.

( على أنه حينما شبَّ حبيب جرجس كان علماء وأراخنة الأقباط قد أسَّسوا المدارس القبطية بعد المدارس القبطية التي أسَّسها البابا كيرلس الرابع? (?1816?-?1861م?) ?البطريرك الـ  ?110?، ?ثم تبعه البابا كيرلس الخامس? (?1824?-?1927م?) ?البطريرك الـ ?112?. وحدث أن والد حبيب تنيَّح وهو يبلغ من العمر 6 سنوات, وبعد أن أنهى دراسته في الكُتَّاب أكمل دراسته الثانوية بمدرسة الأقباط الكبرى عام 1892.

الظروف التي نشأ فيها حبيب جرجس:

عاش حبيب جرجس في عصر مُظلم، لم يكن في الكنيسة وعَّاظ، ولا أساتذة للاَّهوت. وفي وسط هذه الظلمة نبتت فكرة المدرسة الإكليريكية. ومن أقوال هذا الإنسان العظيم يمكن أن نستنتج فكره بل وآماله للأقباط، فقد قال عن الكنيسة القبطية : ”بَقِيَت الكنيسة القبطية في اضمحلال وضعف مدة خمسة عشر قرناً. وإنْ حقَّ لنا أن نصف هذا العصر، فإننا نسميه عصر الظلام، وعصر الركود والتأخير“(1).

ووقف يوحنا بك باخوم ناظر مدرسة الأقباط الكبرى ليختار منها 12 طالباً يكونون نواة المدرسة الإكليريكية، وكان الطالب حبيب جرجس هو أول مَنْ لبَّى النداء(2). وتقدم حبيب جرجس وطلب أن يكون طالباً في الكلية فوافق البابا, والتحق حبيب جرجس في أول دفعة سنة 1893م. وكان ناظر المدرسة هو يوسف بك منقريوس، وهو من كبار رجال التعليم في عصره، ولم يكن من الكهنة ولا من الباحثين في الدين؛ ولكنه لكي يُشجِّع طالب الإكليريكية على تثقيف نفسه في المسيحية، كان يختار بعض الكتب الدينية ويُسلِّمها للطلاب، فيقرأون منها أمامه.

حبيب جرجس مدرساً للدين:

لم يكن هناك مدرس لتدريس الدين المسيحي بالكلية الإكليريكية. وعُيِّن حبيب جرجس مدرساً لتدريس مادة الدين بالمدرسة الإكليريكية، ويقول: ”وقد يعجب القارئ إذ يرى أن المدرسة الإكليريكية التي أُنشئت لتدريس الدين، والتثقيف بجميع أنواع الثقافات الدينية، لم يكن بها مدرس للدين“.

وكثيراً ما كتب الطلبة إلى غبطة البابا كيرلس الخامس، وإلى هيئة اللجنة المليَّة وقتئذ يطلبون تعيين مدرس للدين. وظلَّت المدرسة أربع سنوات كاملة من غير مدرس للدين، ما أدَّى إلى أن تركها أكثر الطلبة. ولما كثرت الشكاوى، قررت اللجنة المليَّة تعيين مدرس للدين، هو جناب الإيغومانس فيلوثاؤس الذي كان ناظراً للكلية الإكليريكية، وكاهن الكنيسة المرقسية الكبرى بشارع الكنيسة المرقسية المتفرِّع من شارع كلوت بك، والذي كان بقية نور في تلك الأيام. وكان هو الرجل الوحيد المُتضلِّع في الدين في ذلك العصر، وكان الواعظ الوحيد، ولكنه كان كبير السن وكان مريضاً، فمكث خمسة عشر يوماً فقط، فلم تساعده صحته على إكمال رسالته، ثم أُغمي عليه وحملوه إلى بيته وظل هناك ولم يرجع للكلية حتى نياحته. فكان حبيب جرجس يذهب إليه ويتعلَّم منه، ويرجع للكلية ويقرأ من المكتبة، ثم يذهب للقمص فيلوثاؤس ويسأله ويناقشه.

وكان المعلِّم الثاني للدين بالمدرسة الإكليريكية هو القمص يوسف حبشي، وكان يبلغ الستين من عمره، وكان قد قضى حياته كلها في روما، وكان يُتقن اللغتين الإيطالية والفرنسية، ولكنه كان ضعيفاً جداً في اللغة العربية؛ أما معلوماته في العقيدة الأرثوذكسية فكانت قليلة وكان من الخطأ تعيينه مدرساً للدين لطلبة المدرسة الإكليريكية. وكان كل ما يُدَرِّسه للتلاميذ هو ما ينقله نقلاً حرفياً من كتب أجنبية في مبادئ الدين المسيحي إلى اللغة العربية بأسلوب ركيك، مما أدَّى به أخيراً إلى التقصير والانقطاع عن المدرسة من تلقاء نفسه(3).

ثم يستطرد حبيب جرجس متحدثاً عن كيفية اختياره وهو ما زال طالباً ليقوم بتدريس الدين في المدرسة الإكليريكية لافتقارها إلى مدرس دين، فيقول: ”ولما كان ترتيبي الأول بين طلبة المدرسة، وكان المرحوم يوسف بك منقريوس يثق بي كل الثقة، طلب من اللجنة المليَّة تعييني مدرساً للدين بالمدرسة وأنا طالب بالسنة النهائية. وقررت اللجنة اعتماد تعييني مدرساً للدين بالمدرسة بتاريخ 17 مارس 1898م“(4).

وتخرج حبيب جرجس ليتولَّى التدريس في الإكليريكية. وكان يقوم بتدريس اللاهوت والوعظ، ويضع الكتب الروحية. ووضع كتاب ”أسرار الكنيسة السبعة“، وكتاب ”الصخرة الأرثوذكسية“، وكتاب ”مار مرقس الرسول“. وأَخَذَ في إعداد مدرسين للدين.

البابا كيرلس الخامس يرسم حبيب جرجس أرشيدياكوناً:

وبدأ الشاب حبيب يعظ، واهتزت القلوب لوعظه، ووثق به البابا كيرلس الخامس فرسمه شماساً، ثم رئيس شمامسة وواعظ الكاتدرائية الكبرى. ولم يكن رئيس الشمامسة يعظ في الكاتدرائية المرقسية فحسب؛ بل كان يطوف الأقاليم من بلد إلى بلد، حيث كان الآباء المطارنة والأساقفة يدعونه حيناً، وكانت تدعوه الجمعيات والهيئات حيناً آخر. وهكذا قضى 5 سنوات مُتنقِّلاً بين ربوع البلاد ”لا يترك مدينة إلاَّ ويرفع فيها الصوت عالياً مُنادياً بكلمة الله... فكان دعاية طيِّبة للمدرسة الإكليريكية، فأقبل عليها الكثيرون...“.

حبيب جرجس يصبح مديراً للإكليريكية:

مجهوداته لتوسيع الإكليريكية:

وفي عام 1918 عيَّن البابا كيرلس الخامس حبيب جرجس مديراً للإكليريكية, ووضع أمامه أهدافاً: زيادة عدد الطلاب، وزيادة عدد المدرسين.

وكان مبنى الإكليريكية وقتذاك لا يصلح، فشعر حبيب جرجس أنها مسئوليته أن يبني لها مبنى. وبكل غيرة، بدأ يدعو لهذا الأمر، ويطوف البلاد يجمع تبرعات، حتى اشترى أرض مهمشة الواسعة وبنى مبنى الدراسة، ومبنى الداخلية، ومبنى معهد العُرفاء (العريف هو المُرتِّل الكفيف في الكنيسة)، وأسَّس المكتبة، وبنى كنيسة العذراء التي كانت كنيسة لطلبة الإكليريكية في أيامه، قبل أن تُفتح للشعب.

جمع حبيب جرجس الأموال من مصادر كثيرة منها أنه أقنع عجوزاً من جيرانه اسمها ”خرستا جرجس“، فأوقفت 6 أفدنة للإكليريكية و3 أفدنة للجمعية الخيرية. كما قام بشراء نحو 365 فداناً بالمنيا للإكليريكية، وقام أيضاً بشراء المنازل المحيطة بها حتى أصبحت المساحة 5399 متراً مربعاً؛ وهكذا استطاع البابا كيرلس الخامس أن يبني ويفتتح الإكليريكية يوم 29/11/1893م (وهو نفس العام الذي رجع فيه من منفاه في دير البراموس).

أما قبل حبيب جرجس فكان مبنى الإكليريكية القديم في حال يُرثى له حسب تقرير ميخائيل بك عياد الذي قدَّمه للمجلس الملِّي العام: ”إن الإكليريكية قبل الأستاذ حبيب كانت في مكان صغير متخرِّب تفوه منه الروائح الكريهة. وكان الطلبة يرتدون جلاليب غير مناسبة ويَؤُمُّون المدرسة بدون شهادات ولا مراعاة سِنٍّ، أما برنامج الدراسة فلم يكن يزيد عن أية مدرسة ابتدائية“(5).

وأدخل الأرشيدياكون حبيب في المدرسة تدريس مواد المنطق والفلسفة وعلم النفس, واللغتين العبرية واليونانية، وزيادة العناية باللغات العربية والإنجليزية والقبطية والتاريخ. كما اهتم برفع مستوى  المعيشة بالقسم الداخلي لمبيت الطلاب ليكون في مستوى نظيف لائق ومريح.

لما رأى البابا ازدهار الإكليريكية، طلب من الأساقفة أن تكون رسامة الكهنة الجُدُد من خريجى الإكليريكية فقط. وفي عام 1946م أنشأ حبيب جرجس القسم الليلي الجامعي (لخريجي الجامعات).

ونتيجة لنشاط حبيب جرجس وخدمته النارية، وَهَبَ كثير  من الأقباط أراضيهم للصرف من إيرادها على الإكليريكية.

الصحافة والتعليم في حياة الأرشيدياكون حبيب جرجس:

في أول توت 1621 لتقويم الشهداء/ 11 سبتمبر 1904 للتقويم الميلادي، أصدر حبيب جرجس أول عدد من مجلة الكرمة والتي استمرت 17 سنة, وكتب في هذا العدد: ”لبَّيتُ ضميري مُطيعاً مُجيباً غير مُبالٍ بما يُلاقيني من الصعوبات، مُستَسهلاً كل وعر في طريقي حبّاً وشوقاً في أن أُقدِّم خدمة... لأبناء أُمَّتي. فإن راقت هذه الخدمة في أعينهم، كنتُ بذلك أدَّيتُ وأُؤدِّي واجباً مُقدساً تدعو الضرورة إليه“.

الأرشيدياكون حبيب جرجس أنشأ جمعيات قبطية:

أنشأ حبيب جرجس جمعيات للوعظ والتعليم, منها: جمعية أصدقاء الكتاب المقدس, جمعية الإيمان المركزية, جمعية المحبة لتربية الأطفال؛ كما كان عضواً في جمعية النشأة بحارة السقايين, وفي الجمعية الخيرية القبطية. وأدخل الجمعيات في الإكليريكية، فأنشأ جمعية جنود الكنيسة, وجمعية الخريجين، وجمعية كلمة الخلاص, وعملت هذه الجمعيات في 84 مركزاً، وأنشأت كنائس في الصف والقناطر وعين شمس وألماظة.

أهم مؤلَّفات الأرشيدياكون حبيب جرجس:

1 - سر التقوى، 2 - ملخَّص سلم السماء ودرجات الفضائل، 3 - نظرات روحية في الحياة المسيحية، 4 - أسرار الكنيسة السبعة، 5 - 12 كُتُب المبادئ المسيحية الأرثوذكسية (8 أجزاء)، 13 - 15 خلاصة الأصول الإيمانية (3 أجزاء)، 16 - 19 الكن‍ز الأنفس في التاريخ الأقـدس (4 أجزاء)، 20 - مار مرقس الإنجيلي (بالإشتراك مع الأستاذ كامل جرجس)، 21 - عزاء المؤمنين، 22 - أناشيد أرثوذكسية وترانيم عقائدية، 23- ترانيم وأناشيد روحية، 24 - إنعاش الضمير في ترانيم الصغير، 25 - المدرسة الإكليريكية بين الماضي والحاضر، 26 - الصخرة الأرثـوذكسية، 27 - روح التضرُّعات والخولاجي المقدس، 28 - الوسائل العملية للإصلاحـات القبطية، 29 - حياة القديسَين أنطونيوس وبـولا، 30 - برلام ويواصف، 31 - 47 مجلَّدات مجلة الكرمة.

ولإتقانه قرض الشِعر، وضع 3 كتب تراتيل حسب عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية، كما اهتم بترجمة الأربع البشائر إلى القبطية.

(يتبع)

(1) ”المدرسة الإكليريكية بين الماضي والحاضر“، حبيب جرجس، ص 9.
(2) مجلة: ”مدارس الأحد“، السنة الخامسة: 1951 - العددان 10،9 - نوفمبر وديسمبر 1951، ص 3.
(3) ”المدرسة الإكليريكية بين الماضي والحاضر“، حبيب جرجس، ص 16.
(4) ”المدرسة الإكليريكية بين الماضي والحاضر“، حبيب جرجس، ص 20.
(5) مجلة: ”مدارس الأحد“، نفس المرجع.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis