دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

نافـــذة

على ما يجري في الكنائس الأرثوذكسية في أقطار المسكونة


 

 ممارسة رائدة في الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا المكني عنها بالحروف OCA تستعيد النظام الرسولي في إدارة وتدبير الكنيسة بالشركة الحيَّة بين الإكليروس والشعب ما يُسمَّى بـ ”المجمعية“ Conciliarity.

 

كيف اشتركت الرئاسة الكنسية مع الإكليروس والشعب الأرثوذكسي

في مجلس الكنيسة الأرثوذكسية في كل أمريكا

في شهر يوليو من هذا العام (2005)، انعقدت الدورة الرابعة عشرة لمجلس الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا التي تضم الأرثوذكس من كافة الكنائس الأم في اليونان وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وغيرها. ويضم هذا المجلس الذي ينعقد كل 3 سنوات رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا، الأساقفة، كل كهنة إيبارشيات الكنيسة في أمريكا وكندا، مندوبين عن المجالس الكنسية في كل إيبارشية (المنتخبين من الشعب الأرثوذكسي)، ليتشاوروا ويتخذوا قرارات تمسُّ حياة الكنيسة.

وهؤلاء الأعضاء هم الذين يوافقون على أوضاع الكنيسة ويصحِّحونها، ويحدِّدون الأولويات للمستقبل، ويستمعون إلى التقارير عن كل ناحية من نواحي خدمة الكنيسة. وفي حالة الضرورة هم الذين ينتخبون رئيس الكنيسة. كما يشترك مع هؤلاء (بصفة مراقبين فقط) شباب وأطفال يأتون من كافة إيبارشيات الكنيسة ليتعلَّموا أن هناك ما هو أوسع من إيبارشياتهم الخاصة، فيحضرون برامج خاصة بهم أُعدَّت لكل الأعمار. وقد حضر في هذا المؤتمر هذا العام 500 شاب وطفل أتوا من إيبارشياتهم.

الحاضرون داخل قاعة المجلس 

ما هي هذه الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا؟

في بداية القرن العشرين، حضر من روسيا إلى أمريكا رئيس الأساقفة تيخون (المُعتبر قديساً ومعترفاً، إذ عانى الاضطهاد من الحكم الشيوعي في بدايته)، وبذل كل جهد ليؤسِّس الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا وكندا. وقد اعترفت الكنيسة الروسية بالاستقلال الرئاسي للكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا عام 1970، وأصبحت إحدى الكنائس الأرثوذكسية الـ 16 المستقلة في العالم.

”المجمعية“ كانت منهج رئيس الأساقفة تيخون في نظام الكنيسة:

لقد كان في مركز تفكير وخدمة رئيس الأساقفة تيخون في أمريكا، إيمانه بأن الأساقفة والكهنة والشعب الأرثوذكسي، مدعوُّون أن يعملوا معاً لبنيان جسد المسيح. ومنذ بداية خدمته في أمريكا، سعى إلى أن يكون له شركاء في العمل، من كهنة الرعية والشعب من أجل تقدُّم عمل الخدمة في الكنيسة. وحين عاد إلى أمريكا، كان قد نظَّم تجمُّعاً للكهنة ومندوبي الشعب الأرثوذكسي. وهكذا أرسى أساس المجالس الدورية للكنيسة الأرثوذكسية في كل أمريكا.

كيف كانت رؤية تيخون في تدبير الكنيسة؟

لقد قدَّم تيخون رؤيته للشركة بين الأساقفة، والكهنة، والشعب الأرثوذكسي، ما لم يكن موجوداً آنذاك داخل الكنائس الأرثوذكسية. وكان يرى أنه بالرغم من التاريخ المبكِّر للكنيسة، كما يظهر في سفر أعمال الرسل المليء بأمثلة ”المجمعية“ في تدبير وإدارة الكنيسة؛ إلاَّ أن الكنائس بمرور الوقت ركنت إلى ”البيروقراطية“ في إدارة شئونها، وأحياناً إلى ”الثيئوقراطية“ في معظم أنحاء العالم الأرثوذكسي.

لكن تيخون، في رؤيته الرعوية العملية، تعب ليبني الكنيسة في أمريكا، بعكس السائد في الكنائس الأرثوذكسية في ذلك الوقت. فاستطاع أن يُقدِّم رؤيته وخبرته الرعوية متناغمة مع التقليد الأصيل للكنيسة. وقد أنجز هذه الرؤية والخبرة بدون كلمات ومواقف ”ثورية“. لكن ما عمله، هو تجديد خبرة ”المجمعية“ كتعبير أصيل لإيمان الكنيسة وحياتها وشهادتها.

وهذا يعني أن مجالس الكنيسة الأرثوذكسية لكل أمريكا، هي اجتماعات تبحث عن التمييز بين الصحيح والحق للكنيسة في كل شيء. والأساقفة الذين يُكوِّنون المجمع المقدس، يقودون المجلس في قراراته. ومسئوليتهم تتركَّز في الموافقة على هذه القرارات التي يتخذها أعضاء المجلس، أو يُقدِّمون الأسباب حينما يحسُّون أنه لابد من رفض بعض ما يُقرِّره الكهنة ومندوبو الشعب الأرثوذكسي من قرارات.

أما مسئولية الكهنة ومندوبي الشعب الأرثوذكسي فتتركَّز في أن يُقدِّموا خبرة حياة الكنيسة وخدمتها إلى المجلس، ليجدوا إجابات على التحديات الهامة التي تواجه الكنيسة، مُقدِّمين رؤيتهم كشركاء عمل مع الأساقفة. والمجلس كله، بأساقفته وكهنته ومندوبي الشعب الأرثوذكسي، يطلبون معاً مشيئة الله.

ويُفرِّق المسئولون في الكنيسة الأرثوذكسية في كل أمريكا بين ”المجمعية“ وبين ”الديموقراطية“، إذ كثيراً ما يختلط الاسمين في المفاهيم. فالمجمعية في الكنيسة، هي الأمانة للحق، والأمانة للتقليد الكنسي، والأمانة لله. والمجمعية لا تخضع لِمَا يُسمَّى ”قانون الأغلبية“. فمجلس الكنيسة مدعوٌّ لأن يكون شاهداً حيًّا وواضحاً لتكاتف الأساقفة والكهنة والشعب الأرثوذكسي، ليشهدوا للحق، حتى لا يقول أي قسم من كنيسة الله للقسم الآخر: ”لا حاجة لي إليكم“ (انظر 1كو 12: 21). ففي كمال الحياة الكنسية، كلنا محتاجون الواحد للآخر، حتى تكون وحدة الثالوث منظورة ومُدرَكة من خلال وحدة الكنيسة.

نعود الآن إلى مجلس الكنيسة الأرثوذكسية في كل أمريكا الذي انعقد في يوليو 2005.

الحضور في المجلس:

لقد حضر حوالي 1200 مندوب ما بين أساقفة، وكهنة، ومندوبي مجالس الإيبارشيات، ومندوبي الكليات اللاهوتية، ومندوبي الهيئات العاملة، ومندوب لجنة مراجعة الحسابات المالية.

وقد افتتح المتروبوليت هيرمان رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في كل أمريكا جلسات المجلس التي استمرت من 17-22 يوليو 2005، ليُناقش خدمة الكنيسة من أجل الحياة حسب الإنجيل في القرن الحادي والعشرين.

المتروبوليت هيرمان يفتتح جلسات المجلس 

 

وبنفس الروح التي جمعت بين رئاسات الكنيسة والكهنة والشعب الأرثوذكسي في أول اجتماع لهم عام 1907، ثم أول اجتماع لمجلس الكنيسة الأرثوذكسية في كل أمريكا عام 1970؛ اجتمع شعب الله مرة أخرى ليُناقشوا القضايا التي تواجه الكنيسة الأرثوذكسية وهي تتطلَّع إلى المستقبل، واستهلَّوا خدمة الصلاة بالترتيل: ”اليوم الروح القدس يجمعنا معاً“.

وقد كان اجتماع المجلس هذا العام في كندا، حيث استضافته الكنيسة الأرثوذكسية في كندا وذلك لثاني مرة.

وقال المتروبوليت هيرمان رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في خطابه الافتتاحي: ”هذه المشاركة في حياة الكنيسة من الأساقفة والكهنة والشعب الأرثوذكسي، تعني أن كل مسيحي أرثوذكسي، إذ قد نال الروح القدس، فلابد سيُعبِّر عن اهتمامه بالكنيسة، ويناقش التحديات التي تواجهها، واحتياجاتها، ويقترح الرؤية والإجابات على هذه التحديات، بالاستنارة بإيمان الكنيسة وتقليدها“.

وردَّد المتروبوليت رئيس الكنيسة فكر القديس تيخون مؤسِّس الكنيسة قائلاً: ”إن هذه المشاركة والاشتراك في حياة الكنيسة لا تقوم على أساس شكل ما من "الديموقراطية"، بل المسئولية تكمن في اتفاقنا معاً على الإيمان المسيحي والتقليد الكنسي“.

وأكَّد المتروبوليت هيرمان على ”أن لدينا فهماً للكنيسة، ليس ضيِّقاً، بل هذا الفهم يعتمد على مزيد من الاشتراك والمشاركة. فمجلس الكنيسة لكل أمريكا، الذي سيُعقد كل 3 سنين، هو نموذج مصغَّر للتعدُّدية مع الوحدة في الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا، ولدورها في الجماعة الأكبر لكل الكنائس الأرثوذكسية في العالم“.

وقد قدَّم المتروبوليت تقريراً عن خدمته منذ انتخابه رئيساً للكنيسة في دورة مجلس الكنيسة السابقة عام 2002، مُركِّزاً على زياراته الرعوية في كل أمريكا، وجهوده لتحسين وتقوية العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة في أنحاء العالم، وعن اهتمامه بالعديد من القضايا، بما فيها العلاقات المسكونية، والشباب، والإنترنت، والتعليم اللاهوتي، والحياة الرعوية.

القضايا التي ناقشها المجلس:

وقد ناقش المجلس القضايا التالية:

1 - الرؤية والهويَّة: أي رؤية الكنيسة باعتبارها أساساً أنها كارزة يُقدَّم بواسطتها ملء الإنجيل لأمريكا.

2 - إعداد الكهنة وتعليمهم: فقد أكَّد المجتمعون على أهمية ودور الإعداد التقليدي في الكليات اللاهوتية، وأهمية رصد الميزانيات لطلبة اللاهوت. واقترح البعض استمرار التعليم للكهنة، والتعليم عن بُعد (بالمراسلة) والبرامج المرسلة بالقمر الصناعي، ووسائل أخرى لاستمرار إعداد الكهنة. وقد تكلَّم بعض الكهنة عن الفوائد التي جنوها من خبرتهم في المعاهد اللاهوتية.

3 - ”صحة“ الرعية، والكرازة لهم: ويقصدون بصحة الرعية، أي الصحة الروحية. فيؤكِّدون على أهمية التعليم والإعداد للكهنة والرعية على حدٍّ سواء كأساس لخدمة كرازة ناجحة وتوفير الصحة الروحية للرعية.

4 - العلاقات مع الأرثوذكس وغير الأرثوذكس.

5 - الإرسالية: اهتم المجتمعون بعملية التبشير أو الكرازة بالإنجيل لرعيتهم، وللأماكن البعيدة مثل أفريقيا وآسيا.

 

أَخذ الأصوات على قرارات تختص بالناحية المالية 

6 - التربية المسيحية: وهناك قسم في الكنيسة اسمه ”قسم التربية المسيحية“. وقد أضافوا عليه، الاقتراح بعمل مؤتمرات تحت شعار ”الحياة المسيحية“، وتأسيس مراكز للتربية الرعوية.

7 - الوحدة المسيحية: وقد اتخذوا 4 توصيات في مجال الوحدة الأرثوذكسية.

8 - المالية والميزانية: وقد قدَّم أمين المالية ميزانية تحوي بيانات لإيرادات الكنيسة ومصروفاتها، واحتياجات الكنيسة للصرف على رسالتها التبشيرية.

عن مجلة: The Orthodox Church

ونشرة: Orthodox Direction

 

 هذه الممارسة الرائدة للكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا، هي التعبير الحضاري الحديث لتقليد الكنيسة الأرثوذكسية في كل مكان عن مشاركة الشعب الأرثوذكسي مع الإكليروس في تدبير وقرارات الكنيسة. والكنيسة القبطية لها تاريخ طويل في هذه الممارسة حتى إلى وقت قريب.