العناصر الرئيسية: أولاً: شهادة كلمة الله: 1. «صلُّوا بعضكم لأجل بعض»؛ 2. الله يُكرم قديسيه؛ 3. عن شفاعة المنتقلين؛ 4. عن شفاعة الملائكة؛ 5. الله يقبل وساطة قديسيه: أ - من العهد القديم، ب - من العهد الجديد. ثانياً: بين المسيح وقديسيه: 1. وساطة المسيح ووساطة قديسيه موضوع واحد؛ 2. المسيح وقديسوه؛ 3. نحن والقديسون. ثالثاً: الكنيسة وشفاعة القديسين: 1. في ليتورجيا الصلوات والتسبيح؛ 2. في ليتورجيا القداس؛ 3. أعياد القديسين؛ 4. الأيقونات؛ 5. أجساد القديسين؛ 6. البخور؛ 7. أسماء الكنائس والمذابح.
1. في ليتورجيا الصلوات والتسبيح: تحفل ”تسبحة الكنيسة السنوية والكيهكية“ (والتي تضمها كتب الإبصلمودية أي التسبحة) بطلب شفاعات القديسين وصلواتهم (الثيئوطوكيات - الخاصة بالعذراء - ومجمع القديسين) وتمجيدهم، مُرافقاً لتسبيح الله وتمجيده (الذكصولوجيات والهوسات والإبصاليات) والتغنِّي بالمزامير والأحداث التي ساند فيها الرب قديسيه مثل: عبور الإسرائيليين البحر الأحمر بقيادة النبي موسى، وإنقاذ الرب للفتية الثلاثة من أتون النار؛ وهذا كله في قالب غنائي يأخذ بمجامع القلوب ويضم مجموعة من الألحان الرائعة التي ظلت حية في أفواه القديسين على مدى القرون. 2. في ليتورجيا القداس: في القداس الإلهي تتحقَّق أسمى درجات عبادة المؤمنين وأقدسها حيث تجتمع الكنيسة حول المسيح الذي يُقدِّم جسده ودمه بيد خادمه الكاهن وبحضور الملائكة والجمهور غير المنظور من قديسيه المنتصرين. وخلال الصلوات يـُذكَر القديسـون بـاعتبارهم حاضرين في الكنيسة كأحياء مع الملائكـة القائمين حـول المذبح والذيــن يحملون صلوات العابديـن مع البخور إلى العرش السماوي(1). فهناك لحن الهيتينيات الذي يطلب شفاعة العذراء والملائكة والمعمدان (هيتين ني ابرسفيا)، وصلوات الرسل والشهداء وقدِّيسي اليوم (هيتين ني إفكي)، ولحن طاي شوري (هذه المجمرة) الذي يربط بين مجمرة البخور والعذراء التي حلَّ فيها ملء اللاهوت ولم تحترق، وشيري ماريا (السلام لمريم الملكة)، وآكسيا (مستحقة... للقديسة) وآكسيوس (مستحق... للقديس)، ومجمع القديسين الذي يتلوه الكاهن والذي يذكرهم كأمر الكتاب («اذكروا مرشديكم الذين كلَّموكم بكلمة الله» - عب 13: 7): ”لأن هذا يا رب هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قديسيك. تفضَّل يا رب أن تذكر جميع القديسين الذي أرضوك منذ البدء: رؤساء الآباء والأنبياء (العهد القديم) والرسل والمبشرين والإنجيليين (كُتَّاب الأناجيل) والشهداء والمعترفين وكل أرواح الصدِّيقين الذي كملوا في الإيمان. وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حين والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة. والقديس يوحنا السابق الصابغ (المعمدان) والشهيد، والقديس اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء، وناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول الطاهر والشهيد“. ثم الآباء المعلِّمين من القرون الأولى وأعضاء المجامع المسكونية الثلاثة الذين حفظوا الإيمان وآباء الرهبنة والنسَّاك. وهكذا، فالكنيسة هنا أيضاً تذكر وتتشفَّع بالقديسين المنتقلين، ولكن في ختام المجمع (في القداس الكيرلسي) تُعقِّب مستدركة باتضاع على لسان الكاهن: ”إننا يا سيدنا لسنا أهلاً أن نتشفع في طوباوية أولئك القديسين، بل هم قيامٌ أمام منبر (عرش) ابنك الوحيد، ليكونوا هم عِوَضاً عنا يتشفعون في ضعفنا ومسكنتنا. كُن غافراً لآثامنا من أجل طلباتهم عنا ومن أجل اسمك القدوس المبارك الذي دُعِيَ علينا“. والشعب بعد ذلك يهتف: ”بركتهم المقدسة فلتكن معنا آمين...“، ولكنه أيضاً يطلب لهم الراحة: ”يا رب نيِّحهم آمين“. فالكنيسة والقديسون، إذن، يتبادلون الشفاعة عن بعضهم البعض أمام الابن الوحيد حامل خطايا الجميع (1يو 2: 1). والعلاَّمة أوريجانوس في مقالة له عن الصلاة يقول: ”إن الطوباويين الذين رحلوا يحضرون بالروح في اجتماعات الكنيسة... بل ربما أكثر مما كانوا بالجسد. فلا يليق أن نستخف بصلواتهم“. وقصص ظهور القديسين للأتقياء أثناء الليتورجيا، قديماً وحديثاً، متداولة كثيراً. إن التشفُّع بالقديسين جزءٌ لا يتجزَّأ من الليتورجيا. فحتى الذين لا يطلبون شفاعة القديسين في صلواتهم الفردية هم بالتأكيد يطلبونها من خلال صلوات الكنيسة واشتراكهم في ألحانها (الهيتينيات، بشفاعة والدة الإله، بركتهم المقدسة)، وبالتالي هم مؤازرون بصلوات القديسين. 3. أعياد القديسين: لسِيَر القديسين وأعيادهم موقعها الأثير في الاحتفالات الكنسية. فهناك كتاب السنكسار الذي يُسجِّل لكل يوم من أيام السنة حياة قدِّيسي الكنيسة وآبائها، خاصةً الذين قدَّموا حياتهم على مذبح الاستشهاد. كما تحتفي الكنيسة بعيد القديس في يومه المُعيَّن(2)، وهناك ألحان كثيرة لمثل هذه المناسبات ضمن صلوات القدَّاس تتغنَّى بحياة القديس أو الشهيد(3)، وخاصة ما يتعلَّق بالعذراء، ولكن كلمات اللحن تقترن أيضاً بتمجيد الله وتسبيحه. وعندما يُقام ”تمجيد“ للقديس في عيده فهو في حقيقته تمجيد لله الذي أفاض نعمته على هذا القديس وساند جهاده، فظل أميناً حتى النهاية وأكمل سعيه بسلام. والكنيسة تُقدِّم القديسين نماذج للمنتصرين، تحتفي بهم وتُعرِّف المؤمنين بجهادهم لتُشدِّدهم في مسيرتهم، وهي تكرِّمهم كما تكرِّم الدولة شهداء الدفاع عن سلامتها. وفيما هي تكرِّمهم تُكرم الله. فالاحتفاء بعيد القديس (أو القديسة) يتم خلال القداس، فهو لا يُكرَم وحده، وإنما في ظل تمجيد سيده المسيح وتذكار صليبه وموته وقيامته في صلوات الإفخارستيا. 4. الأيقونـات: الأيقونات هي صور القديسين، ويُشبِّهها البعض بالنجوم التي تزيِّن السماء، أو لوحة الشرف لأوائل الناجحين في جهاد الإيمان، أو هم كبار عائلة المسيح، أقاربنا الذين انتقلوا إلى المجد وظلوا أحياء وإن ماتوا بالجسد. وقد صارت الأيقونات جزءاً من التقليد الكنسي منذ القرن الرابع، وهي تُرشم بالميرون مع سائر أجزاء الكنيسة: هيكلاً ومذبحاً وجدراناً، باعتبارها مُكرَّسة لخدمة الأقداس، وتحتل موقعها على حجاب الكنيسة(4) وجدرانها تجسيداً لحضور القديسين الدائم في الكنيسة، وهم يحيطون بالرب الجالس على عرش مجده في حضن الآب في الهيكل وحوله الملائكة والأربعة وعشرون كاهناً. وهناك ترتيب خاص لصور الحجاب (= حامل الأيقونات أو الإيكونوستاس، أو الإيكونوستات): فإلى يمين باب الهيكل (بالنسبة للمتجه نحو الشرق) أيقونة المسيح، ويليها أيقونة المعمدان وهو يُعمِّد الرب؛ وإلى اليسار أيقونة العذراء تحمل يسوع الطفل إلى يسارها (أي تكون هي إلى يمينه: «جُعلت الملكة عن يمينك» - مز 45: 9)، ويليها أيقونة القديس مرقس الإنجيلي مُبشِّر مصر. وهناك موقع لأيقونة قديس الكنيسة وغيره من الملائكة والقديسين. كما يحتل الصليب والمصلوب وصورة العشاء الرباني وأيقونات الاثني عشر موقع الصدارة لرفع قلوب المؤمنين إلى المخلِّص والذين حوله، وتهيئتهم إلى الاقتراب من المائدة السماوية. وتحمل جدران الكنيسة صوراً من حياة الرب وأعياده: البشارة، والميلاد، ودخول الهيكل، وعماده، وجانباً من معجزاته، والصلب والقيامة والصعود. وفي الاحتفال بأسبوع آلام الرب توضع صورة المسيح مصلوباً والمكلل بالشوك وتُجرَى الصلوات أمامها، وفي ختام الجمعة العظيمة يدورون بها في الهيكل وصحن الكنيسة بشارةً مُجدَّدة بعمل الصليب وحث المؤمنين على تجديد عهودهم بالتوبة وتبعية المخلِّص حاملين صليبه. ومن عيد القيامة، وخلال الأربعين المقدسة، يدورون بأيقونة القيامة، ثم بأيقونة الصعود حتى عيد العنصرة. وفي أعياد القديسين توضع أيقونة القديس على يمين الهيكل لتوجيه الأنظار على احتفال الكنيسة بعيده وأيضاً إلى سيرته تمثُّلاً بوصية الكتاب: «انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثَّلوا بإيمانهم» (عب 13: 7). وهكذا يصبح حجاب الكنيسة وجدرانها كتاباً مفتوحاً يحكي قصة الخلاص، ويُصوِّر للشعب -صغاراً وكباراً - هؤلاء الذين كانوا مع الرب وكلَّمونا بكلمة الحياة، وشهدوا بحياتهم وموتهم لإيمانهم وحبهم للملك المسيح، فصاروا لنا قدوة، كما يبقون إلى النهاية سنداً وعوناً للمجاهدين إلى أن يستوطنوا عند الرب وينضموا إلى صفوفهم. ونحن عندما ندخل الكنيسة نسجد أولاً أمام الهيكل، ونردد مع صاحب المزمور:«أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك. أسجد في هيكل قدسك بخوفك» (مز 5: 7). وبعد ذلك نُحيِّي القديسين شهود المسيح وخاصته، ثم نعود إلى الهيكل. فالرب هو البداية والنهاية (رؤ 22: 13). وبالطبع ليس في استخدام الصور والأيقونات في الكنيسة كسراً للوصية الأولى من الوصايا العشر، فهذه تمنع أن تكون الصورة أو التمثال للسجود والعبادة: «لا تسجد لهن ولا تعبدهن» (خر 20: 5) في وجود مجتمعات محيطة كانت تعبد الأصنام. ولكن الصورة في الكنيسة لم تكن ولن تكون للعبادة. ولمس الصور وتقبيلها هو لأنها مُكرَّسة بالميرون الذي يحتوي جانباً من حنوط التكفين، أو للبركة، أو تعبيراً عن الحب. وما يؤكِّد أن التحريم ينصبُّ على السجود والعبادة للصورة أو التمثال في ذاته، أن الرب بينما دان الذين صنعوا العجل الذهبي (خر 32: 35)، أوصى موسى بعمل تمثالين لكروبَيْن (الشاروبيم) يوضعان على غطاء تابوت العهد (خر 25: 18-20) إضافة إلى النقوش (خر 35: 30-35)، كما أمر الرب موسى بصُنع حيَّة مُحرقة نحاسية وأن يضعها على راية «فكل مَن لُدغ ونظر إليها يحيا» (عد 21: 9،8)، كما تكرر عمل كروبَيْن في هيكل سليمان إضافة إلى نقش ونحت كروبيم ونخيل وزهور (1مل 6: 23-35). ومن ناحية أخرى، فالذين استبعدوا القديسين، بدءاً من العذراء والتلاميذ والرسل، من حياة الكنيسة ومن علاقات المؤمنين، حتى لا ينشغلوا بهم عن المسيح، استبعدوا بالتالي صورهم. كما استُبعدت صورة المسيح نفسه بحجة ألاَّ نحصر المسيح في صورة. ولكننا نستخدم الصورة في كل مجال دون أن يعني ذلك الاستغناء عن صاحب الصورة، فهي تساعد على التصوُّر وتستكمل فَهْم ما هو مكتوب أو ما نتكلَّم عنه. أليست الصورة في اللوحة والكتاب وعلى الجدار وفي الفيلم إيضاحاً لحقيقة، حتى أن العالم الغربي البروتستنتي الذي يُنحِّي القديسين جانباً ويستبعد صورهم من مبنى الكنيسة، هو الذي أدرك فائدة الفيلم الجيد لشرح الإيمان وتجسيد حياة المسيح والكنيسة وتاريخ الخلاص، فكان هذا الإبداع الذي أثَّر في حياة الكثيرين، أطفالاً كانوا أم بالغين، بسطاء بدائيين أو متحضِّرين مثقفين؛ بل إن فيلماً عن حياة المسيح قد يغني عن عظة كاملة ويمكنه أن يتجاوز حتى حاجز اللغة، بل والكلمات ذاتها(5). وفي هـذا الصدد، فالذين يُحرِّمون تمثيل أدوار الأنبياء يغفلون حقيقة أن الرب والأنبياء والقديسين عاشوا بالفعل على أرضنا يوماً، وشاهدهم وعاشرهم وجالسهم الآلاف. فما الفرق، إذن، أن نراهم على الشاشتين خاصة أن الفيلم يُبرز حياتهم المضيئة، ويستدعيهم من الماضي ليكونوا حاضراً يُعلِّم ويُلهم ويُنهض ويُشدِّد الإيمان! أَلاَ تُبرر هذه الغاية النبيلة تجسيد حياة الرب وقديسيه حتى وإن كان مَن يمثلونها بشراً مثلنا تحت الآلام والضعف؟ (يتبع) دكتور جميل نجيب سليمان
|
|||
(1) والشماس يُلفت أنظار المؤمنين إلى حضور الملائكة في ليتورجيا القداس هاتفاً: ”الملائكة ورؤساء الملائكة قيام. الساروفيم ذوو الستة الأجنحة والشاروبيم الممتلئون أعيناً يسترون وجوههم من بهاء عظمة مجده غير المنظور ولا منطوق به، يسبِّحون بصوت واحد صارخين قائلين: قدوس قدوس قدوس...“. والكاهن يقول في القسمة: ”هوذا كائنٌ معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله، الجالس على كرسي مجده، الذي يقف أمامه جميع الطغمات السمائية...“. (2) بالنسبة للعذراء تحتفل الكنيسة بالتذكارات الآتية: بشارة يواقيم بميلاد العذراء، وميلادها، ودخولها الهيكل، ونياحتها، وظهور جسدها، وبناء أول كنيسة على اسمها في فيلبي، وظهورها في كنيستها بالزيتون. (3) ختام صلاة ”السلام لكِ“ ذو اللحن الجميل: شيري ني أوتي بارثينوس تي أورو إم مي إن أليثيني (السلام لكِ أيتها العذراء الملكة الحقيقية)، أو السلام لمريم الملكة (شيري ماريا تي أورو)، أو افرحي يا مريم (أونوف إممو ماريا)، أو آبيكران إر نيشتي (اسمك عظيم)، فضلاً عن ألحان التسبحة. وخلال شهر كيهك تسهر الكنيسة وتُسبِّح الله وتتأمل في معجزة التجسُّد والميلاد البتولي وتمتدح العذراء أُم الله. (4) في كتاب: ”العذراء القديسة مريم“ تأمُّل بارع للأب متى المسكين في صور القديسين على الحجاب يقول: ”إن الكنيسة قد احتجزت لهؤلاء الصف الأمامي لحضورهم على الدوام. وبحسب موقعهم فظهورهم نحو الشرق لأنهم لم يعودوا ينتظرون المسيح الآتي مثلنا لأنهم معه كل حين، ووجوههم نحونا كي يُعزونا ويتقبَّلوا توسلاتنا وصلواتنا“. (5) لا ينسى كبار السن فيلم ”ملك الملوك“ لسيسل دي ميل، الذي كان يُعرض في أربعينيات القرن الماضي، وكان فيلماً صامتاً غير ملون، ولكنه كان إبداعاً مُتقناً. وأفلام مثل ”كوفاديس“ و”الرداء“ و”حياة وآلام السيد المسيح“، والفيلم الأخير لميل جيبسون ”آلام المسيح“؛ صارت محفورة في ذاكرة الناس. ومؤخراً أنتجت مؤسسة بيلي جراهام التبشيرية فيلماً عن ”حياة يسوع“ تستخدمه بنجاح كبير في خدمة الأفريقيين.
|