|
|
|
19. عيد الصعود (خميس الصعود)(1):
صعود المسيح، بعد أربعين يوماً من قيامته، يعلن انتصاره وكمال مهمته الخلاصية التي جاء من أجلها. ولأنه ليس من هذا العالم (يو 17: 16) فهو لم يأتِ ليبقى. وها هو يعود إلى المجد الذي كان له قبل كون العالم (يو 17: 5)، والذي تنازل عنه بإرادته أيام تجسُّده من أجل خلاص الإنسان. ولكنه يبقى لنا دوماً الوسيط والشفيع الوحيد (رو 8: 24، 1يو 2: 1 و2) وشفيع كل المتوسلين من إخوتنا الذين يصلُّون عنَّا أمام عرش النعمة، ومنه تفيض علينا كل عطية صالحة (أف 4: 5). والرب صعد إلى السماء ليعد لنا مكاناً يصير مقرَّنا الأبدي عند مجيئه ليأخذنا عنده (يو 14: 2 و3)، وحتى ذلك الحين فهو يبقى معنا «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (مت 28: 20).
وكلمات ألحان قداس عيد الصعود تعكس هذه المعاني، فمرَد الإبركسيس: ”السلام لصعوده. شيرى تيف أناليم ابسيس“، ودورة القيامة تذكر أيضاً صعوده (حتى ما قبل عيد العنصرة)، كما أيضاً في لحن: آجيوس أوثيئوس. قدوس الله، ”كى أنيلثون إيسطوس أورانوس. أليسون إيماس. وصعد إلى السموات. ارحمنا“. وفي مرد المزمور والإنجيل القبطي: ”أووه أفشيناف أينيفيئووي“.
20. عيد العنصـرة(2):
أو عيد حلول الروح القدس:
عيد العنصرة
هو عيد تأسيس أو ميلاد الكنيسة، فبحسب وعد الرب لتلاميذه بإرساله الروح القدس المعزِّي (لو 24: 49؛ يو 14: 16 و17؛ أع 1: 4 و5) ليمكث فيهم ويتكلَّم على لسانهم (مت 10: 20) ويدافع عنهم ويهيِّئ القلوب للإيمان؛ فإن الرب حقَّق وعده لتلاميذه يوم الخمسين، حيث كان الجميع معاً بنفسٍ واحدة (أع 2: 1) «وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أع 2: 2 - 4).وهكذا جاءت القوة من الأعالي (لو 24: 49) التي غيَّرت حياة التلاميذ ومؤمني الكنيسة الأوائل (أع 1: 15) فنزعت منهم ضعفهم وخوفهم وصيَّرتهم أبطالاً للإيمان والكرازة بالخلاص للخليقة كلها (مر 16: 15)، وباكورة شهود وشهداء المسيح.
والروح القدس هو الذي يهب الولادة الجديدة من فوق (يو 3: 3 و5) والحياة الجديدة في المسيح يسوع (2كو 5: 17)، وهو الذي يأخذ من الرب ويعطينا ويخبرنا (يو 16: 14)، وهو المقدِّس والمعزِّي والمبكِّت والمُساند في الآلام، وهو روح الحق والقداسة والتوبة والحكمة والقوة والمعرفة.
وفي كلمات المردات والألحان الخاصة بالعيد يُضاف إلى قيامة الرب وصعوده إرساله لنا الباراكليت روح الحق المعزِّي. وبعد الإبركسيس يُقال لحن الروح القدس(3): ”بي إبنفما إمبراكليتون“ الذي يميِّز هذا العيد: ”الروح المعزِّي الذي حلَّ على الرسل في عيد العنصرة فتكلَّموا بألسنة كثيرة“. وفي صلاة القسمة: ”إذ أرسلتَ الروح القدس على الرسل في يوم البنتيقسطي (الخمسين)، وحلَّ عليهم مثل ألسنة من نار منقسمة على كل واحد منهم“.
ويُقال في التوزيع اللحن اليوناني: ”آسومين طو كيريو إنذوكسوس غار كى ذوكساستيه. فلنسبح الرب لأنه بالمجد تمجد. صعد إلى السموات وأرسل لنا البارقليط، روح الحق المعزِّي. آمين هلليلويا“(4) (وهو اللحن الذي يتواصل ترتيله خلال صوم الرسل، الذي يلي عيد العنصرة وحتى عيد الرسل)(5).
وفي عصر يوم العنصرة تُقام منذ القديم صلاة السجدة(6) بخدماتها الثلاث وصلواتها المرفوعة مع البخور المتصاعد من أجل المنتقلين أعضاء الكنيسة المنتصرة، ترافقها السجدات الخشوعية والقراءات المناسبة(7). ولزمان طويل كانت صلاة السجدة ضمن صلوات عيد العنصرة بعد قراءة الإبركسيس، ولكن لطول وقت الصلاة، ولكي تنال صلاة السجدة نصيبها من التركيز والاهتمام، أصبح يُحتَفَل بها منذ بداية القرن الماضي مستقلة في الساعة التاسعة من الأجبية (الثالثة عصر يوم العنصرة).
21. عيد الرسل(8):
اختارت الكنيسة يوم استشهاد الرسولين العظيمين بطرس وبولس ليكون عيداً لكل الرسل الذين كانوا خاصة المسيح وخلصائه والذين بشَّروا العالم بالخلاص، ونقلوا لنا فيما كتبوه وعلَّموا به ما شهدوه وسمعوه ولمسته أيديهم عن المسيح ومنه (1يو 1: 1)، وسجَّلوا لنا أُسس الإيمان المسيحي وأعلنوا شهادتهم بكرازة المسيح وآلامه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء وإرساله الروح القدس عليهم وعلى الكنيسة يوم الخمسين، وهي الشهادة التي كلَّفتهم حياتهم.
والكنيسة في احتفائها واحتفالها بالرسولين وسائر التلاميذ الرسل تعبِّر عن محبتها وامتنانها لهم، فهم الذين ”بشَّرونا باسمه القدوس وردُّونا إلى الإيمان الحقيقي بالثالوث الأقدس“ (من صلاة القسمة).
وعن ألحان صوم الرسل وعيدهم، فقبل قراءة الكاثوليكون(9) يُقال لحن خاص للتلاميذ الاثني عشر يمجدهم ويذكر مجال خدمة كل منهم، وما عانوه من الشدائد، مع طلب صلواتهم: ”أونتوس آليثوس غار اكسالثين باسي تين جين ... لأنه حقًّا هكذا يتمجَّد اسمكم على الأرض يا جميع مختاري الإله آباءنا الرسل“.
وفي الهيتينيات تُطلَب صلوات القديسين بطرس وبولس: ”هيتين ني إفكي إنتيه ناشويس إنيوتي إن أبوسطولوس بنيوت بيتروس نيم بينساخ بافلوس ... إبشويس“ (باعتبار أنه في الأساس عيد استشهاد الرسولين).
ومرد الإبركسيس: ”شيري ناشويس إنيوتي إن أبوسطولوس ... السلام لسادتي الرسل، السلام لتلاميذ ربنا يسوع المسيح ...“.
ومرد الإنجيل: ”اطلبوا من الرب عنا يا سادتي الآباء الرسل وبقية التلاميذ ليغفر لنا خطايانا ... طفه إمبشويس إ إهري إيجون ناشويس إنيوتي إن أبوسطولوس“.
وضمن صلاة القسمة في صوم الرسل وعيدهم: ”أما بطرس وبولس الرسولان فكان ظل أحدهما يشفي الأمراض وكانت مناديل وعصائب الآخر تُذهِب الأمراض وتُخرِج الأرواح الشريرة. وبعدما كرزا بإنجيل الملكوت سُفِكَ دمهما من أجل اسمك ونالا إكليل الرسولية وإكليل الشهادة“.
22. صوم العذراء وعيد ظهور جسدها(10):
حتى بداية القرن الحادي عشر، لا يوجد في الوثائق الكنسية القديمة ما يُشير إلى صوم العذراء(11)، وإن كان التاريخ يسجِّل ما يُعرَف بصوم العذارى الذي نشأ أولاً في أديرة العذارى في بغداد - الموصل بالعراق ثم في مصر. وكان في بدايته لمدة ثلاثة أيام قبل الصوم الكبير، ثم صار من أول مسرى، حتى الحادي عشر منه، ثم حتى التاسع والعشرين، إلى أن صار منذ القرن الثالث عشر صوماً كنسيًّا باسم العذراء يبدأ من أول مسرى ويكون العيد في اليوم السادس عشر. وهو الصوم الذي يلقَى إقبالاً كبيراً من الشعب الذي يكرِّم القديسة مريم الشفيعة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح.
على أن ما استقر في التقليد الكنسي أن جذور هذا الصوم تعود إلى القرن الأول الميلادي، وهو الصوم الذي رتَّبه التلاميذ بعد نياحة العذراء لإظهار جسدها. ذلك أنهم (عدا القديس توما) كانوا حولها ساعة نياحتها، وبعد أن وضعوا جسدها في القبر عاد القديس توما من مقر خدمته(12)، فطلب أن يذهب معهم إلى القبر فدُهِشوا لوجوده خالياً من الجسد. وهنا قصَّ عليهم القديس توما كيف أن سحابة حملته إلى أورشليم وكيف شاهد جسد العذراء تحمله الملائكة فوق جبل الزيتون فهتف بالعذراء ممجِّداً، ورأى الزنَّار(13) الذي كان حول جسدها يطير في الهواء متجهاً إليه فالتقطه فرحاً، وأراهم إياه برهاناً على روايته. هكذا صاموا وصلوا أسبوعين من أجل ظهور الجسد، وفي النهاية أظهر لهم الرب جسد العذراء تحمله الملائكة، فهو لم يشأ أن يبقى الجسد الذي حمله على الأرض.
وتحتفل الكنيسة بأعياد كثيرة أخرى للعذراء:
1. 7 مسرى (13 أغسطس) عيد البشارة بميلاد العذراء،
2. أول بشنس (9 مايو) عيد ميلادها،
3. 3 كيهك (12 ديسمبر) عيد دخولها الهيكل،
4. 21 طوبه (29 يناير) عيد نياحتها(14)،
5. 21 بؤونه (28 يونيو) عيد تذكار بناء أول كنيسة على اسمها، وعيد العذراء حالة الحديد وتحرير القديس متياس من سجنه،
6. 2 أبريل (1968) عيد ظهورها فوق كنيسة الزيتون بالقاهرة.
وتحفَل صلوات وألحان الكنيسة بالكثير الذي يمجِّد العذراء: نعظمك يا أم النور الحقيقي ...، السلام لكِ ...، شيري ماريا تي أورو (السلام لمريم الملكة)، لحن العشرة أوتار لداود (آتاي بارثينوس ...)، الثيئوطوكيات في التسبحة، أول الهتينيات، طاي شوري، تي شوري، شيرى نى ماريا، بشفاعة والدة الإله القديسة مريم، افرحي يا مريم، يا أم النور، وترانيم كثيرة تمجدها وتطلب شفاعتها.
ومرد الإنجيل في صوم عيد العذراء:
”خين اتشيسي إممو ... نعظمك باستحقاق مع أليصابات نسيبتكِ قائلين: مباركة أنتِ في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنكِ“.
23. عيد التجلِّي(15):
هو الاحتفال بتذكار تجلِّي الرب على جبل تابور (13 مسرى). وكان الرب قد دعا بطرس ويعقوب ويوحنا ليعاينوا بعض مجده حين «أَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ» (مت 17: 2؛ مر 9: 3)، وظهر معه موسى وإيليا يتكلَّمان عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمِّله في أورشليم بالفصح الأكمل: ”ذبيحة الصليب“ وخلاص كل المؤمنين ودخول العرس السماوي (مقابل الخروج الأول بخروف الفصح والخلاص من عبودية فرعون).
وقصد الرب من حضور تلاميذه كي يشهدوا بما رأوه خلال كرازتهم، ولكي يهبهم إيماناً أمام أحداث الصليب والآلام القادمة في القريب. وظهور موسى (الناموس) وإيليا (الأنبياء)، يكشف أن الرب إله العهدين.
والقديس بطرس لم ينسَ هذا المشهد أبداً، وأشار إليه في رسالته (2بط 1: 16 - 18). والقديس يوحنا في رؤياه شاهده كما رآه يوم التجلِّي (رؤ 1: 14 - 16). وعندما رآه شاول (بولس) في طريق دمشق: «نُوراً مِنَ السَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ الشَّمْسِ، قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي» (أع 26: 13) سقط على الأرض وفقد بصره لثلاثة أيام وسلَّم حياته له وصار رسول الأمم العظيم.
وضمن ألحان عيد التجلِّي، مرد المزمور والإنجيل: ”الليلويا. إيسوس بخرستوس إبشيري إمفنوتي أفشوبيف إيجين بيتوأو إنتابور. يسوع المسيح ابن الله تجلي على طور تابور“. وفي قسمة الأعياد السيدية: ”الذي تجلَّى على جبل طابور قدام تلاميذه وأضاء وجهه كالشمس“.
(يتبع)
دكتور جميل نجيب سليمان
(1) القراءات: 1تي 13: 13 - 16؛ 1بط 3: 15 - 22؛ أع 1: 1 - 14؛ مز 24: 7 و8؛ لو 24: 36 - 53.
(2) العنصرة: كلمة عبرية بمعنى الاجتماع أو الجمع أو الحفل، وأُطلقت على عيد الأسابيع العبري أو عيد الحصاد المترجم في اليونانية بنتيكستي Pentecost أي الخمسين. والكنيسة أطلقت كلمة العنصرة على عيد حلول الروح القدس لأنه يقع في اليوم الخمسين من قيامة المسيح، ومن هنا تسمية هذا العيد أيضاً البنتيكستي أي عيد الخمسين. والكنيسة الروسية تسميه عيد الثالوث، وجعلت يوم الاثنين التالي عيداً للروح القدس.
(3) الذي يُقال أيضاً في رسامة الأساقفة.
(4) هذا اللحن كان يُقال أيضاً قبلاً في عيد الصعود وما يليه لأنه يبدأ بـ ”صعد إلى السموات وأرسل (أو ليُرسل) لنا الباراقليط“.
(5) بعض الباحثين لا يرى علاقة بين هذا اللحن وصوم الرسل وعيدهم.
(6) يرجى الرجوع إلى مقال: ”عن صلاة السجدة“، (مرقس، يونيو 2014).
(7) في كل سجدة من الثلاث سجدات قراءة من العهد القديم (كلها من سفر التثنية) وقراءة من البولس (كلها من كورنثوس الأولى) وقراءة من الإنجيل (قراءتان من إنجيل يوحنا - يو 4، وقراءة من إنجيل لوقا).
(8) يُرجى الرجوع إلى مقال: ”صوم الرسل، صوم كل المؤمنين“ (مرقس، يونيو 2017).
(9) القراءات: رو 10: 4 - 18؛ 2بط 1: 12 - 21؛ أع 7: 44 - 8: 1؛ مت 10: 1 - 15.
(10) القراءات: عب 9: 1 - 11؛ 2يو 1 - 13؛ أع 1: 1 - 14؛ لو 1: 39 - 56.
(11) فهو ليس ضمن قانون الأصوام للبابا خريستوذولوس (البطريرك 67) المتنيح 1077م.
(12) بشَّر القديس توما شرقاً في العراق وإيران والجزيرة العربية والحبشة والهند التي قضى بها الجزء الأكبر من خدمته واستشهد في مالابار. وهو شفيع الكنيسة السريانية الهندية.
(13) هذا الزنار محفوظ حالـيًّا في كنيسة أم الزنار السريانية في حمص السورية.
(14) يثير التساؤل أن يكون عيد نياحتها يوم 21 طوبة بينما ظهر جسدها في مسرى، ولكن فيما يبدو فقد اتبعت الكنيسة هذا الموعد الذي تحتفل فيه معظم الكنائس بعيد ظهور جسدها.
(15) القراءات كو 1: 1 - 23؛ 2بط 1: 12 - 21؛ أع 7: 44 - 8: 1؛ مر 9: 2 - 13.