أجرى بعض الخدَّام استطلاعاً شمل مجموعات من الشباب في بعض الكنائس والعائلات عن حالة الشباب الروحية ومدى ارتباطهم بالله، واختبارهم الشركة مع المسيح؛ ومواظبتهم على القراءة في الكتاب المقدس، والصلاة، والأسرار المقدسة، وحياة التأمُّل. + ويا لهول النتائج التي وصلوا إليها! وهذا هو ملخَّصها: - الشباب ليسوا هم المشكلة، ولكن ”الكبار“ سواء كانوا في البيت أو في الكنيسة. - الشباب لم يعودوا تستهويهم المبادئ المجرَّدة التي يسمعونها أحياناً في عظات الأب الكاهن أو اجتماعات الأُسر والشباب، بل يقولون: ”نريد أن نرى“، أي نريد أن نرى القدوة، نرى الأب والأُم يُصلُّون معاً مع باقي أفراد الأسرة في وحدانية القلب. نرى الأخلاق المسيحية تسود في البيت: المحبة، التسامح، الكلمات المُملَّحة بنعمة الله، الرحمة على الغرباء الفقراء والذين في ضيقة، التزام العفة والطهارة في العلاقات بين الكبار، تقديس مواسم الكنيسة: الصوم، القداس الإلهي (منظر الأب والأُم في وقفتهم أثناء القداس الإلهي وخشوعهم وانتباههم)، ماذا يجري في الفُسَح والرحلات التي تقوم بها الأسرة وأماكنها، وحضور المسيح القوي في هذه الاحتفالات والفُسَح وأيام المرح واللهو والترفيه (في المصايف). وتساءل بعض الشباب حينما سُئلوا: هل تقرأ وتدرس الكتاب المقدس بانتظام؟ فردُّوا: لم نتعوَّد على الكتاب المقدس في بيوتنا! - وقد أشار كل الشباب على الآباء الكهنة ودورهم في القدوة، ونوع أحاديثهم مع الشباب، ومستوى العمق الروحي في توجيهاتهم. (ملحوظة: الشباب عندهم جوع وعطش شديدان إلى عمق روحي، بالرغم من أنهم لا يُدركون كُنْهه، لكنهم شرهون إلى مَن يقودهم إلى ذلك. ولا أُخفي سرّاً أن الذين يُداومون على قراءة كُتُب ومقالات الأب متى المسكين، يتكلَّمون بمعرفة عن هذا العمق الروحي، ويتساءلون عن بعض مظاهر هذا العمق). - في كنائس قليلة يرعاها آباء كهنة مُباركون ونشاط روحي مُلفت للنظر يقوم به خُدَّام غيورون مؤمنون إيماناً حيّاً؛ وجدنا شباباً وشابات يدخلون مجال العمق الروحي، وبعضهم وبعضهن تكلَّموا وتساءلوا عن ”الحب الإلهي“ وكيفية الدخول إليه. ولكن نفس الأمر وجدناه مع شباب تربَّوْا في أُسَر مسيحية لها شركة حياة مع المسيح داخل البيت، بصلوات عائلية ودراسة في الكتاب المقدس وترانيم وألحان... إلخ، لكنها حالات نادرة. - ولكن، ويا للأسف، هناك عائلات لا تتكلَّم مع أبنائها وبناتها عن نموِّهم الروحي، ولا يعملون من أجل هذا الهدف مثلما يُنفقون الكثير على نموِّهم الجسدي والتعليمي والمظهر. يقول أحد الخُدَّام إن شباب هذه العائلات سيكونون بمثابة ”جيل ضائع“. وقد لا تنفع الخدمة في الكنيسة على إنقاذ مثل هذا الجيل إلاَّ بمجهود مضاعف عشرات المرات، وبملء روحي شديد في نفوس الخُدَّام والكهنة. ولكن هل ترصد الكنيسة هذه الحالات بدقة لتُحدِّد طريقة خدمتها معهم. - وبالإضافة إلى العوامل السلبية في الأسرة وبعض الكنائس، فهناك أنين وشكوى من شباب تبلغ أسماعهم من على المنابر في الكنائس وغيرها الخلافات الطائفية بين المذاهب، والاتهامات والتحذيرات ضد المخالفين؛ بل والخلافات بين ”الكبار“ داخل الكنيسة الواحدة - كما يُسمِّيها الشباب - مما يترك في نفوسهم ”إحباطاً“، ”انزعاجاً“، ”حيرة“، ”انصرافاً عن الدين“، ”كراهية وبغضة لبعض رجال الدين“ (هذه الألفاظ بين القوسين الصغيرين، هي ما ورد على ألسنة بعض الشباب). هذه نعتبرها أنها مثل مرض ”الذئبة الحمراء“ التي يأكل فيها الجسم نفسه، ويقضي على نفسه بنفسه!! ويصفها القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية: «فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضاً، فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضاً» (غل 5: 15). - من بين أسباب غياب القدوة الروحية أمام الشباب، هو غياب الأب (أو) والأم بالعمل فترتين أو في مكانين للعمل بدعوى زيادة الإيراد ليمكن مواجهة ارتفاع المصروفات. ولكن يقول أحد الخُدَّام تعليقاً على هذه المشكلة إن عدم الالتزام بـ ”الدخل الواحد“ فقط، يجعل من الوالدَيْن (أو أحدهما) ”يتمادى في هذا الإنشغال إلى حدِّ مضرَّة أبنائهما“. إن صوت الشباب اليوم هو صوت ”نَبَويٌّ“ يُحذِّر آباءهم: ”الآباء المنشغلون في وظائف إضافية يفعلون ذلك على حساب إيمان أطفالهم“. ”الكبار“ لماذا يفزعون فينا، أو منَّا؟ تقول إحدى الشابات: - ”لماذا يفزع الكبار فينا، أو منَّا“؟ قالتها وهي متوترة، وتُكمِل حديثها: ”قولوا لهم كفُّوا عن أن تخافوا منا أو تَغِيروا منا. إننا أطفالهم“. وبعبارة أخرى نقول للوالدين: ”لا تجعلوا بينكم وبين أبنائكم وبناتكم مسافة، لا تتباعدوا عنهم، لا تخافوا منهم، إنهم في حاجة إليكم. إنهم ليسوا جماعة خارجة عنكم، بل هم خارجون منكم“. كما تقول شابة أخرى: ”لقد أتينا إلى الوجود من أجسامكم، فنحن أقرب إليكم من نفوسكم. نحن مثل قلوبكم التي بين ضلوعكم. نحن لا نعرف أنفسنا، فنحن محتاجون إلى مَن يقبلنا ويُرافقنا ونحن في رحلتنا إلى مرحلة النضوج، وإلى الرجولة الكاملة والأُنوثة الكاملة“. سمعت عن أُمٍّ لثلاث بنات، تَغِير من ابنتها الوسطى (14 سنة) وكأنها ”ضُرَّة“ لها، وتُعايرها وتصدُّها بكلمات لا تُقال إلاَّ من أُمٍّ ليست أُمَّها التي ولدتها، والبنت ذات شخصية سوية لكنها ذات طموح. الأبناء والبنات يَرَوْنَ ويعرفون الله من سلوك آبائهم وأُمهاتهم: يقول أحد المربين الأفاضل: ”إن هؤلاء الشباب يسألون أي نوع وبأي صفات يكون الله كما يُصوِّره الأبوان لهم. فالآباء والأُمهات بالنسبة لأبنائهم هم "العدسات" التي من خلالها يَرَوْن الله. فإن كانوا جديرين بالثقة ويَحْيَون باستقامة، فالله سيكون جديراً بثقة الأبناء وسيكون هو الله حقاً بالنسبة لهم. أما إن كانوا "مُتقلِّبي الأطوار والطباع"، فالله في نظر أبنائهم سيكون هكذا! وهذا هو الواقع للأسف، وهذا هو الحاصل“! ملء الفراغ الروحي في الشباب المسيحي أبنائنا وبناتنا، هو مهمة الكنيسة الأولى والثانية والثالثة، وهو من بين أُولى المهام لآبائنا وأُمهاتنا، وإلاَّ فالعاقبة ستكون وخيمة!! |