دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

تأملات عابرة

 

هل تستحي بالمسيح؟

+ من وحي شهادة شابين شقيقين صغيرين (11 سنة، 13 سنة) كتبا في ورقة الامتحان لكلٍّ منهما: ”أنا مسيحي“، ردّاً على سؤال كان يمكن الإجابة عليه بـ ”نعم“ فيكونان قد أنكرا المسيح.

إذا سألتَ أي مسيحي عادي: ”هل أنت تستحي بالمسيح“؟ لأجاب على الفور وبتصميم: ”طبعاً، لا! فهو ربي ومخلِّصي“. هذه الجرأة في عدم الخجل بإعلان الشهادة للمسيح متأصِّلة في عمق أعماق الوجدان المسيحي بفعل أجيال وأجيال عصر الاستشهاد والشهادة للمسيح التي عاناها أجدادنا وخرجوا منها غالبين مع المسيح في السماء.

وفي كل أسبوع يتوجَّه ملايين المسيحيين بفرح وغيرة إلى الكنائس في المدن والقرى والنجوع ليحضروا صلوات القدَّاس الإلهي التي فيها يتمجَّد اسم المسيح. ويلبس المسيحيون حول أعناقهم الصليب، ويدقُّون على معاصم أيديهم صورة الصليب. وكم من الآلاف المؤلَّفة الذين توجَّهوا لحضور أفلام ”آلام المسيح“ وغيرها.

ولنتأمل بدقة ما قاله الرب يسوع عن عدم الخجل بالمسيح واسمه القدوس. فقد قال - له المجد -: «لأن مَن استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين» (مر 8: 38).

ويكتب القديس بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس: «فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بي، أنا أسيره، بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل» (2تي 1: 8). ذلك لأن الشهادة للرب يسوع هي التي تؤدِّي إلى «احتمال المشقات لأجل الإنجيل». أما القديس يوحنا الرسول فقد نُفِيَ إلى جزيرة بطمس «من أجل شهادة يسوع المسيح» (رؤ 1: 9). ويذكر سفر الرؤيا أيضاً أن «الذين عندهم شهادة يسوع المسيح» سوف يُضطَهَدون في الأيام الأخيرة (رؤ 12: 17).

ماذا تعني ”شهادة يسوع“؟

أي ماذا يقول الإنجيل عن شهادة الرب يسوع المسيح؟ وما هي هذه الشهادة؟ يقول إنجيل يوحنا (7: 7) عن المسيح إنه قال لتلاميذه: «لا يقدر العالم أن يُبغضكم، ولكنه يُبغضني أنا، لأني أشهد عليه أن أعماله شريرة».

فالعالم يُبغض المسيح فعلاً لأنه شَهَدَ ضد خطية العالم، وحذَّر وأنذر عن حقيقة ”الدينونة الآتية“ على العالم وعلى خطية العالم. والروح القدس الذي أرسله الآب باسم المسيح هو يشهد للمسيح، وسيشهد للمسيح في تلاميذ المسيح في كل جيل وإلى الأبد، وسيُبكِّت العالم على خطية وعلى دينونة (يو 16: 8؛ 15: 27،26).

هذا يعني أن ”شهادة يسوع“ و”الشهادة ليسوع“، هي أهم عمل ومهمة يؤدِّيهما المسيحي في هذا العالم، مهما كان وضعه في الحياة أو وظيفته في الكنيسة. أما عدم الشهادة ليسوع، فلا يُعوِّضها تعليق الصليب في الرقبة، أو دقُّ الصليب في معصم اليد. فإن اقتصر الأمر على هذه المظاهر الخارجية فسوف تُسجَّل أسماء أصحابها في خانة ”المُستحون بالمسيح“، وسينتهي الأمر بهم إلى - لا سمح الله - سماع صوت المسيح يُنكرهم ويستحي بهم، ولا حتى يعرفهم أمام أبيهم الذي في السموات في اليوم الأخير.

ولكن يبقى للجميع رجاء. فالإنجيل يحثُّ كل واحد، على فم القديس بولس الرسول: «اجتهد أن تُقيم نفسك مُزكَّى، عاملاً لا يُخْزَى» (2تي 2: 15). فنحن جميعاً محتاجون أن نكون مُزكِّين من الله بأننا لا نخزى أو لا نستحي من الشهادة للمسيح. لذلك، فلنجتهد أن نعرف إيماننا المسيحي ونختبره. وهذا الاجتهاد ينصبُّ على دراسة الإنجيل وقراءته بروح التأمُّل والتمعُّن في كل كلمة من كلماته، لنعرف ما هي ”شهادة يسوع“ التي نشهد بها الشهادة الحسنة في حينها، حتى لو أتت في وقت مُفاجئ، لا وقت فيه للتفكير أو استشارة آخرين بماذا نتصرف؟ (كما شهد هذان الشابان الصغيران في قاعة الامتحان)!

يقول سفر الأمثال لسليمان الحكيم: «قلبُ الحكيم يُرشد فمه، ويزيد شفتيه علماً» (أم 16: 23). ويزيد القديس بولس توضيحه لشهادة يسوع: «لا يستَهِنْ أحد بحداثتك، بل كُن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرُّف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة» (1تي 4: 12).

”الخائفون“

لماذا هم في أول القائمة السوداء؟

ألم يسترعِ انتباهك لماذا وُضع ”الخائفون“ في أول القائمة السوداء التي نصيب أصحابها ”البحيرة المتقدة بالنار“ وهي ”الموت الثاني“؟ وقد وُضِعَ ”الخائفون“ جنباً إلى جنب مع «غير المؤمنين، والرجسين، والقاتلين، والزناة، والسحرة، وعَبَدَة الأوثان، وجميع الكَذَبَة» (رؤ 21: 8). فهل ”الخوف من الشهادة للمسيح“ خطية مثل باقي الخطايا؟ نعم، بلا شك! وقد وُضِعَت هذه الخطية مع بقية الخطايا التي تُشاكل الخطايا الأخرى، بل وقد تقود إليها، وقد تتسبَّب فيها.

وقد وبَّخ الرب يسوع تلاميذه حينما خافوا وهم في السفينة وسط الأمواج: «ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان» (مت 8: 26). و”الخائفون“ هم ”قليلو الإيمان“، أي الذين ينقصهم الإيمان. والله لم يُعطِنا روح الخوف بل «روح القوة والمحبة والفطنة (أي الذهن الصاحي)» (2تي 1: 7 - الترجمة العربية الحديثة).

لقد أعطانا الله روح ”القوة“ لنشهد للمسيح، وأعطانا ”المحبة“ لنطرد الخوف خارجاً، وأعطانا ”الفطنة“ في المسيح لنشهد للحق الذي في الإنجيل بأن الله ”قدوس“، وأنه دعانا للقداسة لنكون ”قديسين“ لنشهد لقدوسية الله بأعمالنا.

والآن، فلنُعلِّق الصلبان على أعناقنا، وندقَّ الصليب على معاصمنا؛ ولكن فلنجتهد أن نعرف إيماننا ونختبره، حتى نتخلَّص من أي خوف، بل بالحري نكون ضمن الذين «عندهم شهادة يسوع».