نافذة على ما يجري في الكنائس المسيحية في أقطار المسكونة |
|
|
بدأت سلطة الآثار الإسرائيلية بمشروع ضخم لتصوير مخطوطات وادي القُمران التي تعود لأكثر من ألفي عام، والتي عُثِرَ عليها في كهوف منطقة البحر الميت، وهي أقدم مخطوطات للتوراه (الأسفار الخمسة لموسى النبي)، وكذلك لفافة عن نبوَّات إشعياء، وغير ذلك.
عينة من لفائف مخطوطات وادي القُمران
وكان قد عثر على هذه المخطوطات راعي غنم فلسطيني عام 1947 بطريق الصدفة داخل جرار فخارية تحوي لفائف من جلد الماعز وعليها كتابة باللغتين العبرية والأرامية. وقد بقيت هذه المخطوطات في القدس الشرقية. وكانت تحت الدراسة بواسطة دولة الأردن التي أوكلت المشروع إلى عدد من العلماء الأجانب. ويقول علماء الآثار إن المخطوطات تحتوي على أسفار (كتب) يمكن الاستكشاف من خلال دراستها عن معالم الفترة التي عاش خلالها المسيح، أي النصف الأخير من القرن الأخير قبل الميلاد وحتى النصف الأول من القرن الأول الميلادي. - وبعد حرب الأيام الستة من 5 يونيه عام 1967، استولت إسرائيل على المخطوطات التي كانت في القدس الشرقية. وقد بادرت سلطة الآثار الإسرائيلية بتصوير المخطوطات التي يوجد منها عشر لفائف، طول الواحدة 10 أمتار، وأكثر من عشرين ألف قطعة صغيرة من لفائف أخرى تحتاج إلى تجميع. وكان المناخ الرطب والظلام في الكهوف هو الذي أبقى عليها كل هذه القرون. وقد رأى الدكتور جريج بيرومن، وهو متقاعد من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وفي الوقت نفسه خبير في مجال التصوير؛ رأى هذه القطع المتناثرة وتأثَّر جداً. وقد استخدم العلماء في الخمسينيات (من القرن العشرين) الشريط اللاصق لتجميع القطع الصغيرة المتوافقة معاً (كما حدث في بعض ورقات المخطوطة السينائية)، مما أدَّى إلى الإضرار بهذه القطع.
آلة التصوير بالأشعة تحت الحمراء
الأشعة تحت الحمراء تكشف المستور: لكن الدكتور جريج باستخدامه المعدَّات المتطورة، صار يستطيع قراءة حروف لم يكن ممكناً للعين المجردة قراءتها. وهو يقول: ”هنا يوجد شريط لاصق وتحته حرف، والآن يمكننا رؤية ما هو تحت الشريط اللاصق لأنه رفيع وشفاف، وذلك بمعونة الأشعة تحت الحمراء. وهكذا يمكن رؤية الحرف المختفي أو غير الظاهر تماماً تحت الشريط اللاصق. لم تُصوَّر هذه القطع إلاَّ مرة واحدة في الخمسينيات، حين كانت تكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء في مهدها“. تاريخ تنقُّلات هذه المخطوطات:
مخطوطات وادي القُمران على الإنترنت:
|
قصاصات من مخطوطات وادي القمران |
- أما الكتان الذي كان يُغلِّف هذه اللفائف، فقد أُرسل إلى معهد الدراسات النووية بشيكاغو بأمريكا. وباستخدام مقياس جيجر، وُجد أنه يرجع إلى زمان كان يُستخدم فيه ما بين عام 150 قبل الميلاد إلى عام 73 بعد الميلاد.
- ونتيجة لهذه الدراسات التي أحدثت ضجة في العالم، توجَّهت بعثة للتنقيب في خرائب هذه المنطقة فتوالت اكتشافات المزيد من الكهوف.
- وفي عام 1957، اكتُشِف 11 كهفاً آخر في نفس المنطقة تحوي 400 مخطوط. وفي الكهف الرابع وحده وجدوا أكثر من عشرة آلاف قصاصة متعددة غطَّت أجزاء من أسفار العهد القديم كله عدا سفر أستير فقط.
كهوف البحر الميت في التاريخ القديم:
وهناك رواية في كتاب التاريخ الكنسي ليوسابيوس القيصري (من القرن الرابع)، أن العلاَّمة أوريجانس استخدم ترجمة يونانية لسفر المزامير، قال إنها وُجدت في كهف بالقرب من أريحا.
|
صفحة من مخطوطة سفر إشعياء |
وأكبر المخطوطات التي وُجِدَت، نسختان من سفر إشعياء النبي، وهما اللتان وُجدتا في أول كهف تمَّ كشفه. وإحدى النسختين تشمل السفر بأكمله باللغة العبرية (اقرأ الترجمة الإنجليزية للمخطـوط في هـذا الموقــع على الإنترنت:http://www.ao.net/~fmoeller/qa-tran.htm).
وهذه النسخة التي تشمل سفر إشعياء بأكمله تعدُّ أكبر الدروج وأكثرها احتفاظاً بحالتها؛ أما النسخة الثانية فتحتوي على ثلث السفر فقط.
أما أقدم المخطوطات التي وُجدت، فهي سفر اللاويين باللغة العبرية القديمة، ويليها في القِدَم أجزاء من سفر صموئيل النبي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
ثانياً: كتب الأبوكريفا:
وقد زوَّدتنا هذه الكهوف أيضاً بمخطوطات باللغتين العبرية والأرامية لكتب الأبوكريفا Apocrypha، والمنحولة (= بسـودإبيـجرافا Pseudepigrapha).
أما الأبوكريفا فهي كلمة يونانية معناها: ”مخفي“، وهي التسمية المُصطلَح عليها للتعبير عن مجموعة معيَّنة من الكتب الدينية التي تشتملها الترجمة السبعينية لأسفار العهد القديم، بجانب الأسفار القانونية المعروفة لدينا الآن في الطبعة البيروتية القديمة للكتاب المقدس. وقد كان يُظَنُّ أن أغلب هذه الكتب غير معروف عند يهود فلسطين، وأن منشأها هم يهود الإسكندرية الذين تمَّت لديهم ترجمة التوراة إلى اللغة اليونانية ”السبعينية“ استجابةً لطلب بطليموس خليفة الإسكندر الأكبر.
|
صفحات من مخطوطة سفر المزامير |
وقد قبلت الكنيسة المسيحية الجامعة، منذ العصور الأولى، هذه الأسفار ضمن الكتاب المقدس باعتبارها أسفاراً قانونية ثانية، علماً بأنه يوجد في أسفار العهد الجديد اقتباسات من هذه الكتب، وهي: طوبيا، يهوديت، الحكمة، يشوع ابن سيراخ، المكابيين الأول، المكابيين الثاني، وإضافات لسفر دانيال وسفر أستير، وباروخ.
وقد وُجد من هذه الكتب في مخطوطات وادي القُمران نسخة واحدة فقط من سفر حكمة يشوع ابن سيراخ مُطابقة للنص العبري الذي وُجد في بداية القرن العشرين في مجمع اليهود بمصر القديمة (القائم بجوار كنيسة المعلَّقة بكنيست إرميا النبي، وهو المكان الذي استُشهِد فيه إرميا النبي أثناء سبي نبوخذنصَّر، ويُقال إنه وُجد أيضاً سفر بخط عزرا الكاتب)، كما وُجد أيضاً سفر طوبيت باللغتين العبرية والأرامية.
ثالثاً: بعض الشروحات والمقالات المؤلَّفة على
أسفار أو موضوعات الكتاب المقدس:
وقد خلَّفت هذه الطائفة أيضاً وراءها عدداً من الشروحات والمقالات التي ألَّفوها على أسفار أو موضوعات الكتاب المقدس، ومن ضمنها كتاب ”الميدراشيم“ الذي يُشبه سفر اليوبيل في شرحه الإجمالي للنص؛ وكتاب ”البيشاريم“، وهو نوعٌ من التفسير الذي تتميز به هذه الطائفة، حيث يكتبون السفر آية آية، وعقب كل آية يوردون شرحها ثم تطبيقها على تاريخهم. وقد وُجدت أسفار إشعياء وميخا وناحوم وحبقوق وصفنيا، مشروحة بهذه الطريقة.
أما النموذج الثاني لكتابات ”البيشاريم“ فهو ”تفسير نبوَّة حبقوق“. ويُلاحَظ في تفسيرهم هذا إيمانهم بضرورة مجيء ذلك المعلِّم ”معلِّم الصلاح“، والكاهن العظيم الذي يُفسِّر أقوال الأنبياء عن كل ما هو عتيد أن يحصل في نهاية الأيام!!
كما وُجد أيضاً نوع جديد من المؤلَّفات، عبارة عن بعض النصوص الكتابية المختارة المُجمَّعة في كتابٍ واحد، وتسمَّى: ”الفلوريليجيا“ Florilegia. وُوجد نوعٌ آخر من تجميعات النصوص بطريقة موضوعية، حيث يشمل الكتاب مجموعة من النصوص التي تُبرهن على فكرة معيَّنة أو تخدم موضوعاً مُحدَّداً، ويُسمَّى هذا النوع ”التستيمونيا“ Testimonia.
ومثال للنوع الأول: مجموعة أجزاء من أسفار: الخروج وصموئيل الثاني وإشعياء وعاموس، وهي تُشبه القراءات في كنيستنا.
ومثال للنوع الثاني: مجموعة نصوص عن مجيء المسيَّا مُجمَّعة من أسفار: التثنية 5: 29،28، أصحاح 18، أصحاح 19؛ العدد 24: 15-17؛ التثنية 33: 8-11.
رابعاً: كتب عن نظام حياة الطائفة
وطرق عبادتهم:
ومن بين الكتب التي وُجدت، ما يصف نظام حياة هذه الطائفة وطُرق عبادتهم وصلواتهم.
ما الذي استفدناه من اكتشاف هذه المخطوطات؟
ألقت هذه المخطوطات ضوءاً شديداً على الفكر المسيَّاني (أي المتعلِّق بمجيء المسيَّا وانتظاره) عند اليهود الأتقياء في حقبة ما بين العهدَيْن القديم والجديد، أي في الفترة التي سبقت مجيء المسيح مباشرة على وجه التحديد، بل والمعاصرة للرب يسوع في بعضٍ منها.
ويمكن القول إن مبادئ هذه الجماعة قد مهَّدت للمسيحية، أو هي على أقل تقدير قد قرَّبت إلى الأذهان احتمال مجيء المسيح بصورة مُعلِّم للصلاح، مُضطهَداً من الأشرار وغير مقبول من بعض الكهنة المنافقين، وجعلتنا نفهم بلا شكٍّ حقيقة الجو الذي ظهرت فيه المسيحية إبان فجرها وفي عهدها التكويني وفي زمان انطلاقتها الأولى.
على أن هذه المظاهر الضخمة التي أحاطت بهذه الكشوف الأثرية لم تستطع - بالرغم من مئات البرديات والرقوق والمؤلَّفات - من أن تزيد على حقائق الإنجيل ولا حقيقة واحدة، كما لم تستطع بالرغم من تحمُّس مئات العلماء الناقدين من أن تزحزح حقيقة واحدة من حقائق الإنجيل، أو تُلقي ظلاًّ ما على الإيمان المسيحي الثمين.
وكل ما لا نزال نرجوه من هذه الأبحاث الكبيرة، هو إعطاء فرص جديدة للمتشكِّكين ليقتنعوا بأصالة الأسفار المقدسة ودقتها وصحتها وعدم تحريفها، حتى يقبلوا حقيقة الإنجيل فوق كل شك. ?
(1) عن كتاب: ”فكرة عامة عن الكتاب المقدس“، إصدار دار مجلة مرقس، سنة 2003، من ص 141-150.
صدر حديثاً
اسطوانة DVD تحوي الفيلم الوثائقي
”مصباح البرية المُضيء“
(جولة في دير القديس أنبا مقار بكل ما فيه من آثار قديمة وأنشطة حديثة. مع شرح صوتي لتاريخ الدير، ووصف كل أثر أو نشاط فيه)