|
|
|
المعنى الكتابي لكلمة "آية" "معجزة"،
ودلالتها في الكتاب المقدَّس: ثانياً: في العهد الجديد:
1. "سيميون" أو "سيميَّا" (باليونانيـة): وهي تُقابل "أوتوت" بالعبريـة، أو "آيـات" و"معجزات" بالعربية؛ كما وَرَدَت في (لو 1: 31؛ يو 2: 11).
2. "تيراتا" (باليونانية): وتُترجم في العربية بكلمة "عجائـب"؛ كما وَرَدَت في (أع 12: 5؛ 14: 3).
3. "ديناميس" (باليونانيـة): ومعناهـا في العربية: "قوات"؛ وذلك وفق ما جاء في (مت 7: 23،22؛ لو 8: 46؛ 13: 58).
وقـد استُخدِمَت جميع هـذه المُرادفات - دون تحفُّظ - في العهد الجديد، وبطريقـةٍ مُتداخلة، للتعبير عـن كـل مـا صنع الرب يسوع مـن أعمالٍ فائقة عظيمة، ومعجزات مُبهرة، وكـذا مـا جـرى على أيدي الرسل المُكرَّمين. وارتبطت المعجزات والآيات، في العهـد الجديـد، وفي الإيمان المسيحي - بصفةٍ عامة - بشخص الرب يسوع المسيح نفسه، وباسمه، حيث تعدَّدت وتنوَّعت المعجزات والأعمال الفائقـة التي عملها الرب، وكشفت لنا عظمـة سلطان الرب يسوع، وعلاقته الفريدة بالآب السماوي.
وفي حياة الـرب يسوع على الأرض، كثُرت المعجـزات والعلامـات ("سيميون" باليونانية)، تأييداً لتعاليمه وختماً لكلمته، وإعلانـاً عـن قوَّته وشخصـه الإلهي، واقتراب ملكوتـه: «إِنْ كُنْتُ بِإِصْبِعِ اللهِ أُخْـرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَـدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ» (لو 11: 20). وكان تعليق الجموع على أعماله المُبهرة: «مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنـَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُـهُ!» (مـر 1: 27). كما أظهـرت هـذه المعجـزات وأَشارت - بوضوح - إلى الخلاص المزمـع أن يُتمِّمه بنفسه، بجانب كونها صارت شهادةً لدينونـة الرافضين له، واستعلاناً لسلطانه، وعلامةً على بدء ملكوته.
وكان الرب يسوع يجول في كلِّ مكان يصنع خيراً، ويشفي كـل مـرض في الشعب، وتنوَّعت أعماله ومعجزاتـه، وكانت قوَّة عظيمة تخرج منه لتُشفي الجميع. وقد أعلن الرب يسوع عن ذلك بنفسه في ردِّه على تلميذَي يوحنا (المعمدان) عمَّن يكون؟ فقال لهما: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُـرْجَ يَمْشُـونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَـوْتَى يَقُومُـونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ» (لو 7: 23،22). ناهيك عن إظهار سلطانه على الخليقة كلها (البحار، الرياح، الشياطين، الأمراض، الموت، الأسماك، وغيرها). لكـن الأعظم في حياتـه على الأرض، كان غفران الخطايا، الأمر الذي لم يُدركه اليهود، حينما قال للمفلوج، وأيضاً للمراة الخاطئة: "مغفـورة لك (أو لكِ) خطايـاك (أو خطايـاكِ)". فغفران الخطايـا أمرٌ لا يقدر عليه أحـدٌ سوى الله وحده، وهـو ما لم يستوعبه اليهود. فأكمل لهم شفاء الجسـد بمعجزة منظورة، ليؤمنوا ويُصدِّقوا، بعدما انطمست أعين قلوبهم عن رؤية المعجزة الروحية الأعظم، بشفاء النفس والروح من موت الخطية.
فالرب يسوع، وإن كـان قـد أقـام ثلاثـة أشخاص، بمعجزاتٍ منظورة فائقة، مـن الموت الجسدي (ابن أرملة نايين، ابنة يايرس، لعازر)؛ إلاَّ أنـه قـد أقامنا وأقام البشرية كلها من موت الخطية، ونَقَلَنا إلى جدَّة الحياة؛ وبفدائه وموته من أجلنا، ثم قيامته المجيدة التي صارت للبشرية كلها أعظم المعجزات، فَتَحَ لنا بـاب الملكوت والسماء دفعةً أخرى.
معجزة المسيحية العُظمى:
تتركَّز معجـزة المسيحية العُظمى في شخص الرب يسوع نفسـه، الإلـه الحقيقي المُتجسِّـد، وما أنجزه في عمله الخلاصي الذي صنعه لأجلنا بموته على الصليب - بالجسد - وقيامته المجيدة من أجلنا كلنا. فإن كان، وهـو الإله الخالق، قد تنازَل بسرٍّ لا يُنطَق به، ليُولَد ويصير في صورة إنسانٍ مـن أجـل خلاصنا؛ فهـذا الأمر والسر العجيب الذي لا يُوصف، يُمثِّل أعظـم معجزة، وأكبر آية يمكن رؤيتها أو تصوُّرها، تحقيقاً لنبوَّة إشعياء النبي: «وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَـا الْعَـذْرَاءُ تَحْبَـلُ وَتَلِـدُ ابْناً وَتَدْعُـو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيـلَ"» (إش 7: 14). ثم باستكمال هـذا العمل الفائق، بقبوله الموت بالجسد على الصليب، ثم بقيامته المجيدة في اليوم الثالث، بقوَّته وذراعه وحده؛ وهبنا الحياة مـن الموت، وجـدَّد طبيعتنا التي فسدت، وأعطانأا ميراث الحياة الأبدية. فهذا يُعدُّ أعظم المعجزات وأجـلَّ العطايـا التي يمكن أن تُـرَى. وبعد ذلك وهبنا الرب يسوع أعظـم العطايـا والمواهب، بمعجزة ذبيحة جسده ودمه الأقدسين، في سرِّ الإفخارستيا، لنحيا بهما، ونتَّحد به كل حين. فصارا لنا شركةً وغفراناً وخلاصاً أبديـاً، بمعجزة لا مثيـل لها، وقاعـدة مُميِّزة للإيمان الحي بالإله المُتجسِّد، ربنا يسوع المسيح.
لهـذا يمكـن القـول، إنَّ كـل معجزات الرب يسوع - إبَّان تجسُّده على الأرض - كانت أموراً طبيعية لواهب الحياة والقيامـة. فقـد كانت قـوَّة عظيمة تخـرج منه وتشفي الجميع (لـو 6: 19). وأمام قبر لعازر، وبينما كانت مرثـا (أُخت لعازر) تظنُّ أن القيامة هي أَمـرٌ بعيد المنال؛ إذا بـالرب يسوع يُعلِن لها ولنا عن ذاته بالقول: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا...» (يو 11: 26،25). وما دام هـو كذلك، فلابد أنه قادرٌ، ليس على إقامة لعازر وحده؛ بل على إقامة كـل أموات الخطية والجسد أيضاً، لأنه بالحقيقة هو الإله الحي.
إنَّ معجـزة المسيح العُظمـى، التـي أعطتنـا الخـلاص والحيـاة - بشخصـه الإلهي - هـي معجزة خلاصية مستمرة، قائمـة وحيَّة معنا مـن أجـل تكميـل خلاصنا، وذلـك بفاعلية سلطانـه المُعطَى للكنيسة، والذي نُمارسـه كـل حـين، أَلا وهـو سلطان (معجـزة) مغفرة الخطايـا، بالتوبة والاعتراف، والـذي نناله بالتقدُّم لهـذه الأسـرار (الإفخارستيا المقدَّسة)؛ لننال هـذا الغفران الإلهي، ونتأهَّل للحياة الأبدية، إذ أنَّ هـذا - بحقٍّ - هـو أجـلُّ وأعظم معجزة أُعطِيَت لنا، وباقية معنا. وإن كانت هـذه المعجزة مخفيَّة عـن أعين العالم، فهي مُعلَنةٌ لنا بسرٍّ لا يُوصَف، بنعمة الإيمان واستنارة الروح القدس.
+ لماذا صنـع الـرب يسوع المعجـزات والآيات؟ ولماذا أعطى هذا السلطان لتلاميذه؟
تذخـر حيـاة الـرب يسوع وخدمتـه على الأرض، بالعديـد مـن الآيـات والمعجزات التي صنعها أمـام أعين تلاميذه وكل الشعب، وبشهادة شهود ثقاة كثيريـن، إذ كـان يجول يصنع خيراً، ويشفي كـل مـرضٍ وضعفٍ في الشعب. ففضلاً عـن معجـزة بشـارة الملاك - للعذراء مريـم ويوسف - بولادة المخلِّص مـن عذراء، وقيامته المجيدة مـن بين الأموات، وصعوده إلى السموات أمام أعين تلاميذه وتابعيه؛ فقـد صنع الرب يسوع العديـد مـن الآيات والمعجزات علانية، إذ أقـام المـوتى، وفَتَحَ أعـين العميان، وشفى مفلوجـين ومطروحـين بحمَّى شديـدة، وشفى نازفـة دم، وطهَّر بُرصاً، وأبـرأ مُعذَّبين مـن أرواح نجسة وأخرجها منهـم، وشفى مجانـين وأنقذهـم مـن آلامهم. هـذا فضلاً عـن إظهار سلطانه المطلق على الطبيعـة والخليقـة، إذ تسـلَّط على البحـر والرياح والأمواج، ونجَّى بطرس والتلاميذ مـن الغرق، وحـوَّل الماء خمراً طيباً في عُرْس قانـا الجليل، ومشـي على الماء، وأنبـأ بأمورٍ تحقَّقت: كصيـد السمكة التي بهـا إستار لدَفْـع الجزيـة، ومعجـزة صيد السمك الوفـير، وأيضاً معجـزة إشباع الجموع مـن الخمسة الخبزات والسمكتين، وغير ذلك الكثير مِمَّا عمله الرب يسوع، مُظهِـراً مجده ومُعلِناً رحمته، حتى إنَّ يوحنا الرسول يقول في الإنجيل: «وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِـدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمين» (يو 21: 25).
وتتحـدَّث جميع البشائـر عـن هـذه الأعمال المُعجزيـة التي صنعهـا الـرب يسوع، بتعبيرات وأقـوال متنوعة، مثل: «وَكَـانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُـلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ» (مت 4: 23)، «وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْلٍ... الَّذِيـنَ جَـاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِـنْ أَمْـرَاضِهِمْ، وَالْمُعَذَّبُونَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ. وَكَانُوا يَبْرَأُونَ. وَكُـلُّ الْجَمْعِ طَلَبُوا أَنْ يَلْمِسُوهُ، لأَنَّ قُوَّةً كَـانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَشْفِي الْجَمِيعَ» (لو 6: 17-19).
كل هـذه المعجزات أعلنت عن مصدر جديد للقـوَّة والسلطان والجبروت الإلهـي، مُتمثِّلة في شخص الرب يسوع. هـذه القوَّة لا يملكها أحـدٌ سـوى الله وحـده صانع المعجزات، إذ كـانت تتمُّ بأمـرٍ مُباشر منه، أو بمجرَّد لمسة أو إشارة، وبسلطان إلهي عجيب، مؤكِّدة ومُعلِنة، بما لا يَدَع أي مجالٍ للشكِّ، عن طبيعة الرب يسوع الإلهية، وأنه بالحقيقة هو "الله الظاهر في الجسد". (يتبع)