دراسة الكتاب المقدس


مقدِّمات الأسفار
- 22 -



ثانياً: الأسفار التاريخية

5 - سِفْر صموئيل الثاني

مقدِّمــة:

يُسجِّل سِفْر صموئيل الثاني العناصر الأساسية في ملكية داود الملك، حينما كان أولاً مَلِكاً على سبط يهوذا، وفي النهاية مَلِكاً على كل مملكة إسرائيل بجميع أسباطها. وقد كان مقرُّه الأول حبرون التي مكث فيها سبع سنوات ونصف، ثم انتقل إلى أورشليم وظلَّ فيها 33 سنة لا يُنازعه خلالها أحد العرش. ويُتابع السِّفْر مراحل صعود داود إلى المُلْك، والخطايا التي اقترفها (الزنا والقتل)، والنتائج المؤلمة لتلك الخطايا على الأُسرة وعلى الدولة كلها. وقد سبق أن نوَّهنا أنَّ سِفْرَي صموئيل الأول والثاني كانا أصلاً سِفْراً واحداً متَّصلاً في النُّسخة العبرية للعهد القديم، ولكن الترجمة العربية قد اتَّبعت الترجمة السبعينية اليونانية والترجمة اللاتينية في قسمته إلى سِفْرَين.

كاتب السِّفْر:

سِفْر صموئيل الثاني مثل سِفْر صموئيل الأول، لم يُذكَر اسم كاتبه، ولكنه يُظَنُّ أنه قد جُمِعَت أخباره بواسطة بعض الأنبياء غير المعلومة أسماؤهم الذين جمعوا الأخبار المكتوبة عن داود الملك في سِفْر أخبار الأيام الأول مثل ناثان النبي وجاد الرائي (1أي 29: 29). وبالإضافة إلى هذه المصادر النبويَّة، فواضح أنَّ المؤلِّف قد استخدم مصدراً آخر اسمه: ”سِفْر ياشر“ (2صم 1: 18).

تاريخ كتابة السِّفْر:

يعتقد الباحثون أنَّ كتابة سِفْرَي صموئيل الأول وصموئيل الثاني، كان في زمن يقع بعد موت سليمان الملك وانقسام مملكة إسرائيل (سنة 931 ق.م)، ولكن قبل تدمير السامرة وسَبي الأشوريين للمملكة الشمالية (سنة 722 ق.م). ويُرجَّح أنَّ سِفْر صموئيل قد كُتِبَ حوالي سنة 900 ق.م.

موضوع السِّفْر وتكوينه الأدبي:

يمكن تقسيم سِفْر صموئيل الثاني إلى ثلاثة أقسام:

1 - انتصارات داود (الأصحاحات 1-10). 2 - أخطاء داود (الأصحاح 11). 3 - متاعب داود (الأصحاحات 12-24). أمَّا الشخصية المحورية لهذا السِّفْر فهو داود الملك، الذي حوله تدور كل أحداث الكتاب. ومفتاح السِّفْر يتَّضح، كما هو ظاهر في سِفْر التثنية، بأنَّ طاعة الله تؤدِّي إلى نوال البركات، وعصيانه يجلب المشاكل والأحزان والدينونة.

فالأصحاحات العشرة الأولى تُبيِّن مكافأة طاعة الله التي عمَّت أولاً على يهوذا، ثم امتدَّت على كل إسرائيل. أمَّا جرائم داود المتمثِّلة في الزنا والقتل، والتي وُصِفَت في الأصحاح 11، فقد ظهرت بوضوح كعلامة تحوُّل في مسيرة السِّفْر. فبعد ذلك، أصبحت حياة داود تسجيلاً لأحداث من القلاقل والبؤس: مِن حيث موت طفل مولود، وسِفَاح وقَتْل في وسط أُسرة داود، وتمرُّد ضد داود ومُلْكه.

وبالرغم من أنَّ سفر صموئيل الثاني يُظهر أنَّ طاعة وعدم طاعة شخص ما لله، كان لها نتائج مباشرة على حياة ذلك الشخص، إلاَّ أنها تُبرهن على أنه رغم هذه النتائج؛ فإنَّ الله سيحكم ويتفوَّق، حتى أنَّ غرضه على المدى الطويل من أجل مُباركة العالم وفدائه، سوف يتحقَّق. وهكذا، فإنَّ خطية داود مع بثشبع، مثلاً، رغم أنها قد نتج عنها خسارة جسيمة لكل الأطراف المعنية، إلاَّ أنَّ بثشبع هي التي سوف تلد سليمان.

فغرض الله على المدى الطويل من أجل الفداء، واضح في العهد الذي قطعه مع داود في (2صم 7: 4-17)، الذي وَعَدَ الله فيه داود بمملكة تبقى إلى الأبد، وعرشٍ ونسلٍ يدوم إلى الأبد. ورغم أنه يوجد تسع سلالات ملكية مختلفة تتابعت في مملكة إسرائيل الشمالية، إلاَّ أنَّ هناك سلالة واحدة بَقِيَت، وهي سلالة داود، في مملكة يهوذا. فالوعد بسلالة واحدة مستديمة قد تحقَّق في المسيح ”ابن داود“ (مت 21: 9؛ 22: 45) الذي سيجلس على عرش داود (إش 9: 7؛ لو 1: 32).

+ وفيما يلي جدول تصويري لمحتويات السِّفْر: مركز التركيز انتصارات داود خطية داود ضيقات داود وتجاربه الشواهد 1: 1 _ 6: 1 ______ 8: 1 ___ 11: 1 ____ 12: 1 _____ 13: 37 _ 24: 25 التقسيم انتصارات
سياسية انتصارات

روحية انتصارات

حربية خطايا الزنا

والقتل ضيقات في

بيت داود ضيقات في

المملكة الموضوع نجاح خطية فشل طاعة عدم طاعة دينونة المكان داود في حبرون داود في أورشليم الزمن 7.5 سنة 33 سنة مُلخَّص لمحتويات السِّفْر:

يمكن تقسيم السِّفْر إلى ثلاثة أقسام:

أولاً: انتصارات داود: (1: 1-5: 25)

1. الانتصارات السياسية: (1: 1-5: 25)

أ - مَلِكاً على يهوذا في حبرون (1: 1-4: 12).

ب - مَلِكاً على كل الأسباط في أورشليم (5: 1-25).

2. الانتصارات الروحية: (6: 1-7: 29).

أ - إعادة تابوت العهد إلى أورشليم (6: 1-23).

ب - تأسيس العهد الداوودي مع الله (7: 1-29).

3. الانتصارات الحربية: (8: 1-10: 19).

أ - انتصارات داود على أعدائه (8: 1-12).

ب - الحُكْم العادل لداود (8: 13-9: 13).

ج - انتصارات داود على عَمُّون وسوريا (10: 1-19).

ثانياً: تجاوزات داود: (11: 1-27)

أ - خطية الزنا (11: 1-5).

ب - خطية القتل (11: 6-27).

1. أُوريا لا يقبل أن يبيت في بيته (11: 6-13).

2. أوامر داود بتدبير قَتْل أُوريا ( 11: 14-25).

3. داود يأخذ بثشبع زوجة أُوريا له زوجة (11: 27،26).

ثالثاً: تأديبات الله لدواد: (12: 1-24: 25)

أ - المتاعب في بيت داود (12: 1-13: 36).

1. نبوَّة النبي ناثان (12: 1-14).

2. موت ابن داود (مِن بثشبع) (12: 15-25).

3. ولاء يوآب لداود (12: 26-31).

4. سِفَاح القُرْبَى في بيت داود (13: 1-20).

5. قَتْل أمنون بمؤامرة من أخيه أبشالوم (13: 21-36).

ب - متاعب في مملكة داود (13: 37-24: 25).

1. تمرُّد أبشالوم على أبيه (13: 37-17: 29).

2. قَتْل أبشالوم (18: 1-33).

3. عودة داود إلى مملكته (19: 1-20: 26).

4. جوع لمدَّة ثلاث سنين بسبب قَتْل شاول للجبعونيين وتسليم داود سبعة من بني شاول مقابل قتلهم (21: 1-21: 14).

5. حروب مع الفلسطينيين والانتصار عليهم (21: 15-22).

6. نشيد لداود لتسبيح الرب الذي أنقذه من أعدائه (22: 1-51).

7. كلمات داود الأخيرة (23: 1-7).

8. أسماء الأبطال الذين حاربوا مع داود (23: 8-29).

9. داود يُحصي الشعب فيغضب الرب عليه، وتوبة داود (24: 1-25).

امتداد مملكة داود:

يُسجِّل سِفْر صموئيل الثاني امتداد مملكة داود من مقاطعة يهوذا إلى كلِّ أرض إسرائيل، وأخيراً إلى مناطق أدوم وموآب وعمُّون، وصوبة وسوريا أيضاً.

وكانت فترة حُكْم داود ومُلْكه على يهوذا صراعاً مع ابن شاول إيشبوشت وقائده أَبْنَيْر(2صم 4،3). وبموتهما صارت إسرائيل كلها تحت حُكْم داود، إلاَّ أنَّ الذين قتلوهما غضب عليهم داود، وبكى على قبر أَبنير (2صم 3: 33،32)، كما انتقم لِمَن قتلوا إيشبوشت (2صم 4: 12). «وجاء جميع شيوخ إسرائيل إلى الملك في حبرون، فقطع الملك معهم عهداً في حبرون أمام الرب، ومسحوا داود مَلِكاً على إسرائيل» (2صم 5: 1-3).

وسَعَى داود في إقامة عاصمة جديدة تتوسَّط المملكة. وحينذاك استولى داود على أورشليم المُحصَّنة التي كانت في يد اليبوسيين على جبل صهيون، «وأقام داود في الحصن وسمَّاه مدينة داود، وبنى داود مستديراً (سوراً من القلعة إلى الداخل - سبعينية). وكان داود يتزايد مُتعظِّماً، والرب إله الجنود معه» (2صم 5: 10،9).

وهكذا كانت بداية نشأة جماعة الشعب اليهودي وعبادة الله في أُورشليم.

وبعد الاستيلاء على أُورشليم، انتصر داود انتصارات حاسمة على فلسطين (2صم 8: 1؛ 21: 15-23) وصوبة وسوريا (2صم 8: 3-8)، وعلى بني عمُّون (2صم 10: 6-14)، وعلى أرام (سوريا) (2صم 10: 15-19).

أُسرة داود:

رغم أنَّ استمرار سلالة داود كان جزءاً من عهد الله مع داود المذكور في (2صم 7: 4-17)، إلاَّ أنَّ أُسرته الكبيرة العدد كانت مصدراً مُستديماً لوجع القلب والمشاكل على مدى الجزء الأخير من سِفْر صموئيل الثاني.

وتتضمن متاعب أُسرة داود، موت الابن المولود لبثشبع كحُكْم دينونة على زنا داود (2صم 12: 15-23)، وزنا أمنون مع ثامار (أُخته من أبيه)، وقَتْل أبشالوم لأخيه أمنون كنتيجة لِمَا فعله مع أخته ثامار (2صم 13: 1-36). وربما كان أدهش شيء، هو تمرُّد أبشالوم على أبيه، وطرده إيَّاه من أورشليم، وأَخْذه لنساء داود وانتزاعه المملكة منه (2صم 15: 7-18: 33)، ثم استرداد داود للمملكة وقَتْل أبشالوم.

وربما كانت الدسائس والعداء بين أولاد داود المولودين من زوجاته الكثيرات وسراريه، أحد أسبابها أو أعظمها هو تعدُّد زوجاته. وعموماً، فإنَّ تعدُّد الزوجات لا يمكن أن يكون نافعاً، لأنه ينتهك الأمر الإلهي الذي جاء في (تك 2: 24).

أهم ما جاء في تاريخ داود في هذا السِّفْر:

1. الأصحاح السابع: الذي يحتوي على أول وَعْد لداود من الله عن المسيَّا الذي يأتي من نسله، وقد أُشير إليه في المزامير والأنبياء، وهو أساس ما قيل في العهد الجديد بأنه ”ابن داود“.

2. الأجزاء الشعرية التي قالها داود: مرثاة على شاول (2صم 1)، تسبحة داود بعد أن تخلَّص من أعدائه (2صم 22؛ وانظر أيضاً مز 18).

3. كلمات داود الأخيرة (2صم 23: 1-3): تكشف عن شخصية داود كنبي مُلْهَم يتكلَّم بروح الله، وكلمة الله على لسانه.

4. آخر كلمات داود في اعترافه بخطيته في إحصاء إسرائيل ويهوذا: «لقد أخطأتُ جداً في ما فعلتُ. والآن، يا رب، أَزِل إثم عبدك لأني انحمقت جداً... فلنسقط في يد الرب، لأن مراحمه كثيرة، ولا أسقط في يد إنسان... لا أُصعِد للرب إلهي مُحرقات مجانية...» (2صم 24: 14،10، 24،17).

(يتبع)

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis