|
|
|
نشأته:
وُلِدَ حوالي سنة 224م بمدينة روما، من أبوين وثنيَّيْن سمَّياه ”فيلوبـاتير“ أي ”مُحـب الآب“. والده يُـدعى ”يايـروس“ وجِـدَّه ”فـيروس“، وكـانـا يصيـدان الوحوش مـن أسـودٍ ونمور، ويُقدِّمانها للملوك والأُمراء مقابل مكافأة يعيشان منها. وذات يومٍ، إذ كـان الاثنان في الغابـة، وقد نَصَبا شباكهما وعلَّقا الأجراس حتى إذا ما سقط فيها الصيد دقَّت الأجراس، في الوقت الذي كانا يختفيان فيه بالقُرب مـن الشِّبَاك ينتظران الصيد. وبعد فترةٍ طويلة، دقَّت الأجراس فجأة، فانطلقا نحو الشِّبَاك. وكانت المفاجـأة أنهما رأيـا وحشين غريبين سقطا في الشَّبَكة، وقـد مزَّقا الشَّبَكة بقوةٍ وانطلقا نحوهما. وقـد افترس الوحشـان الجِـدَّ ”فيروس“، أمَّـا ”يايـروس“ فسقط مغمًى عليه، إذ لم يحتمل أن يرى والده بين أنياب الوحشين. انطلق الوحشان إليه، وإذ فَتَح عينيه ورآهما، ارتعب جداً. لكنه سمع صوتاً من السماء يقول له بأن يسوع المسيح يقدر أن ينزع عـن الوحشين طبعهما الوحشي، فيكونان كحَمَلين وديعين. وقد سمع ”يايروس“ صوت المسيح قائلاً له: ”يا يايروس، أنـا هـو الرب يسوع المسيح إلهك الذي أحبك وأنقذك مـن هذيـن الوحشين. وإني أدعوك إلى نـور الإيمـان، وستكون لي إنـاءً مختاراً، واخترتُ ابنك ليكون لي كشجرةٍ مُثمرة، ليحمل اسمي أمـام ملوك وولاة كثيرين. وسوف يتألَّم بعذاباتٍ متنوعة لأجل اسمي. فلا تَخَف ولا تضطرب، فإني سأكون لك تُرساً ومُنقذاً...“. وعندما عـاد ”يايروس“ إلى بيته بعد غياب ثلاثة أيام، سألته زوجته عن سبب غيابه، فَرَوَى لها ما حدث. وكم كانت دهشتهما، إذ قـد سمعت زوجته ذات الصوت وتمتَّعَت بدعوة المسيح لها لكي تؤمن به. عماد يايروس وأهل بيته: آمن ”يايروس“ وزوجته وابنه بالرب يسوع المسيح، واعتمدوا على يد أسقف أعطاهم أسماء جديدة؛ فدعا يايروس ”نوحاً“، وزوجته ”سفينة“، وابنه فيلوباتير ”مرقوريوس“. ومنذ ذلك الحين أَخَذَت عائلة القديس مرقوريوس في السلوك في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم، وكانت تُكثر من عمل الصدقة. أَسْر نوح: شاع خبر اعتناق الأُسرة للمسيحية، حتى بلغ مسامع الأمير الذي أرسل في استدعاء نوح مع عائلته. وأَمَـر بـإلقائهم للوحوش، ولكـن الرب أنقذهم وسدَّ أفواه الوحوش، فلم تجسر أن تؤذيهم، حتى اندهش الأمير جداً هو وجميع جنوده. فدعا الأمير ”نوحاً“ واستسمحه وولاَّه رئاسة الجُند. وحدث أن أغار البربر على الروم، فقام نوح وقاتلهم بشجاعةٍ، ولكنهم أسروه مدَّة سنة وخمسة أشهر، نـال خلالها نعمةً في عينَي ملكهم حتى ولاَّه على المملكة من بعده. وبعد هذه المدَّة، دبَّر الرب عودتـه لمدينته حيث التقى بأُسرتـه مرَّةً أخرى، ومضت مدَّة قصيرة على لقائهم، ثم تنيَّح بسلامٍ. ”أبو سيفين“: بعدما تنيَّح الأمير نوح والد القديس، قام الإمبراطور ديسيوس بتولية ابن نوح ”مرقوريوس“ عِوَضاً عنه. وحدث أن أغار البربر على مدينة روما وهدَّدوها حتى خاف الإمبراطور وانزعج؛ إلاَّ أنَّ القديس طمأنه وشجَّعه، ثم قام بنفسه بقيادة الجيش الإمبراطوري. وقـد ظهر لـه ملاك الرب بلباسٍ مُضيء، واقترب منه وهو حاملٌ بيده اليُمنى سيفاً لامعاً وناداه قائلاً: ”يا مرقوريوس عبد يسوع المسيح، لا تَخَف ولا يضعف قلبك، بل تقوَّ وتشجَّع، وخُذْ هـذا السيف مـن يدي وامضِ به إلى البربر وحاربهم ولا تنسى الرب إلهك متى ظفرتَ. أنا ميخائيل رئيس الملائكة قد أرسلني الله لأُعلمك بما هـو مُعدٌّ لك، لأنك ستنال عذاباً عظيماً على اسم سيِّدنا يسوع المسيح له المجد. ولكني سأكون حافظاً لك وسأُقوِّيك حتى تكمل شهادتك، وستسمع كل المسكونة عـن جهادك وصبرك ويتمجَّد اسم المسيح فيك“. فتناول القديس مرقوريوس السيف من يد الملاك بفرحٍ، وما إن أمسكه حتى شعر بقوةٍ إلهية تملأه، ثم مضى بالسيفين (سيفه الخاص، والسيف الآخر الذي سلَّمه له الملاك)، وواجه البربر فهزمهم مع ملكهم. منشور إمبراطوري: في الوقت الذي وَهَبَ الله ”فيلوباتير“ الغلبة على الأعداء، كان عدو الخير يُهيِّئ حرباً ضد الكنيسة، حيث امتلأ قلب الإمبراطور ”ديسيوس“ بالشرِّ، وبعث منشوراً إلى جميع أنحاء الإمبراطورية، جاء فيه: - ”من ديسيوس إمبراطور روما إلى جميع أنحاء الإمبراطورية. ليكُن معلوماً أنَّ آلهة الآباء والأجداد كتبت لنا النصر، فيلزم على الجميع أن يسجدوا لها. وقد أصدرتُ أوامري للجميع بتقديم البخور لها، وكل مَن يُطيع أوامري ينال كرامةً؛ أمَّا مَن يخالف أوامري فيُعذَّب ويُقتَل بالسيف“. على إثر هـذا المنشور الذي أُرسِلَ إلى كـل أنحاء الإمبراطورية، ارتـدَّ البعض عن الإيمان؛ لكـن كثيريـن شهدوا للربِّ، فـدخلوا السجون واحتملوا الآلام، واستُشهِدَ منهم الكثيرون. احتفالات الجيش المنتصِر: بعـد هـذا النصر العظيم، لاحَظَ ”ديسيوس“ غياب ”مرقوريوس“ عن حفل تقديم قرابين الشُّكر للآلهة. وحين استدعاه لسؤاله عـن سبب غيابه، ألقى القديـس بلباسـه العسـكري في وجـه الإمبراطور، قـائلاً لـه: ”لـن أُنكر إلهي يسوع المسيح“. حينئذ أَمَـر الإمبراطـور ”ديسيوس“ بالقبض على القديس وإلقائه في السجن، وتعذيبه بتمزيق جسده بالدبابيس، والأمواس الحادَّة، ووَضْع جمر نار على جانبيه ليُحرَق وهو حيٌّ. العناية الإلهية وسط الآلام: أرسـل الله للقديس رئيس الملائكة ميخائيل، الذي شفاه من جراحاته، وشجَّعه وعزَّاه، وأعطاه السلام، ثم انصرف عنه. وفي الغد، اندهش الإمبراطور، إذ رآه سليماً مُعافَى، فازداد غضبه وحقده على القديس؛ فأَمَر بطَرْحه على حديد مُحمَّى بالنار، ثم تعليقه مُنكَّس الرأس وأن يُربَط في عنقه حجرٌ كبير كي يُعجِّل بموتـه. وعندمـا خاف ”ديسيوس“ مـن غضب أهل روما، أرسل القديس إلى قيصرية الكبادوك، حيث أَمَر بقطع رأسه بحدِّ السيف بعد أن يُجلَد بالسياط، وكَتَبَ قضيته هكذا: ”حيث إنَّ الأمير مرقوريوس عميد الجيوش قـد أنكـر الآلهة الكِرَام، ورَفَض إطاعة الأوامر الملكية وعظمتها؛ نأمر أن يُمضَى به إلى قيصرية الكبادوك لتؤخذ رأسه هناك بحدِّ السيف“. استشهاده: حينما وصلوا بالقديس إلى ساحة الاستشهاد، بَسَط القديس يديـه ووقف يُصلِّي بحرارةٍ، راجياً من الرب يسوع أن يقبل روحه. وبينما كان القديس قائماً يُصلِّي، إذ به يُبصر نوراً عظيماً، والرب يسوع في مجده مع ملائكته، قد وقف أمامه وأعطاه السلام وباركه. فسجد القديس للـرب، وبعـد ذلك التفت إلى الجُنـد، وطلـب منهـم أن يُعجِّلـوا في تنفيـذ ما أُمِروا به. ثم أمـال القديس عنقه، فضربه الجندي بحدِّ السيف وقطع رأسـه. وكـان ذلـك في الخامس والعشرين مـن شهر هاتـور سنة 250م. وكان جسد القديس يُضيء وقت استشهاده، كما جَرَت عجائب كثيرة ساعة دفنه. وبعـد انتهاء عصر الاستشهاد، سمحت إرادة الرب بظهور جسده الطاهر. وقد حَمَل الشعب الجسدَ الطاهر بإكرامٍ عظيم إلى الكنيسة التي بداخل مدينة قيصرية الكبادوك، ووضعوه هناك إلى أن شُيِّدَت لـه كنيسة على اسمه.