إن قيام هذا الحصن العتيق في هذه البرية الجرداء يحكي بنفسه قصة الحركة الرهبانية في أَوَج ازدهارها كما يروي في صمت حزين مقدار ما عانته الأجيال الرهبانية من غزوات البربر على ممر العصور. مساحته مربَّعة 21.50 متر وارتفاعه 16 متراً. حوائطه من الحجارة الضخمة الغشيمة.
بناه الملك زينون عام 482م لما علم أن ابنته الأميرة إيلارية قد ترهَّبت على يدي أحد تلاميذ أنبا مقار وعاشت متخفية باسم الراهب إيلاري.
كان الإمبراطور زينون يحب رهبان شيهيت وكان الرهبان يعتبرونه ملكاً صالحاً ذا ميول سلامية، فكرَّموه وراسلوه وراسلهم. وكانت هذه المراسلات والتكريمات سبباً بالتالي إلى اشتياق قلب إحدى بناته المدعوة إيلارية نحو حياة النسك والمعيشة في البراري مع هؤلاء القديسين.
أما سيرة إيلارية (أي بنت الفرح) فهي تكاد تكون طبق الأصل من سيرة القديسة أبوليناريا من كافة الوجوه، فهي تتخفَّى وتنـزل إلى الإسكندرية ثم إلى شيهيت، ويستقبلها شيخ قديس اسمه ”بامو“ قس شيهيت، ويُلبسها الزي الرهباني ويسميها باسم راهب رجل ”إيلاري“، وتتقشَّف حتى يتغيَّر شكلها وطبيعة جسدها، وكانوا يصفونها بأنه ”خصي“. ثم تمرض أختها في القصر الملكي فيرسلونها إلى الشيوخ في شيهيت ويسلِّمونها إلى إيلاري الخصي الذي كان يعاملها معاملة خاصة استرعت انتباه الملك، فيرسل الملك ويستدعي هذا الراهب ليحقق معه في أمره فيجده ابنته التي فقدها منذ سنين كثيرة، ولكن إيلارية تستحلفهم ليطلقوها لتكمِّل حياتها في البرية. فأعادوها ومعها خطابات توصية وأرزاق كثيرة وأموال لعمارة القلالي والكنائس، فكان ذلك سبباً في نمو الأديرة وازدهارها، وعاشت إيلارية بصفتها الأُولى تحت اسم إيلاري الخصي خمس سنوات، وتنيحت ولم يُعرف أنها امرأة إلا بعد نياحتها حينما أعلم القديس بامو في شيهيت الإخوة بأمرها.
وقد تنيَّحت هذا البارة القديسة في يوم تذكار نياحة العذراء مريم في 21 طوبه، فجعلته الكنيسة تذكاراً لها مع تذكار سيدتنا والدة الإله.
[وقد أخبرت إيلارية أباها الملك أن في شيهيت متوحدين لا يجدون المأوى ولا الماء للشرب، ويعيشون حياة مضنية غاية التعب لبُعد منابع المياه، ولا يجدون قدرة على البناء، ولا المواد التي تلزم البناء متوفرة هناك، وترجَّت أباها أن يرسل معها مَنْ يأتمنه، وأن يزوده بالأموال اللازمة للإنفاق على عمارات الأديرة وإقامة الحصون فيها للنجاة، فذهب وعمل ما أوصاه الملك وأقام منشوبيات (أي قلالي) كثيرة (حول دير أنبا مقار) وبيوتاً حصينة (أبراجاً)، وبنى كنائس في كل البرية وخصوصاً كنيسة أبي مقار] (الرهبنة القبطية في عهد القديس أنبا مقار صفحة 409).
ويؤكِّد العلاَّمة إيفيلين هوايت أكبر عالم أثري كتب عن أديرة وادي النطرون أن حصن البيامون تعود تسميته إلى أحد الآباء القديسين المدعو آمون. وقد أُضيف إلى قلالي دير أنبا مقار قبل منتصف القرن الرابع وهو بذلك يكون النواة الأُولى التي قام على أساسها الحصن الحالي الذي يُعتبر من أقدم الآثار الهامة الموجودة بالدير وأعظم وأضخم كافة الحصون الموجودة في الأديرة القبطية.
لم يكن للحصن باب في الدور الأرضي كبقية المباني وإنما كان الوصول للباب الرئيسي العلوي للحصن بواسطة سلالم منفصلة عن الحصن تصل به للدور الأول من خلال سقالة متحركة ومتصلة بأسفل الباب الرئيسي الموجود في الدور الأول بالحصن. وكانت تتحرك بواسطة حبل متصل ببكرة مثبتة في ثقب بحائط الحصن يُسحب بواسطة دولاب مثبت بجوار البكرة.
يتكون الحصن من ثلاثة أدوار:
لم يكن له باب في الأصل، إنما كان الباب الرئيسي للحصن هو الذي يدخلون منه بواسطة السقالة التي كانت تُطوى ويُغلَق على الباب العلوي للحصن في وقت هجوم الأعداء بواسطة بكرة تَطوي السلسلة التي تتدلَّى من أعلى الباب وتمسك بالطرف الذي بجوار السلم. ويتكوَّن الدور الأرضي من ثلاث غرف متَّسعة ذات قباب عالية مهيبة كانت تُستخدم كمخازن. وبالدور الأرضي أيضاً بئر ماء كان يستقي منه الرهبان أثناء الحصار.
به دهليز (طُرقة) مقابل للسقالة الخشبية يقسم الدور الثاني إلى قسمين:
القسم الغربي منه غرف للرهبان، وفي إحدى هذه الغرف غرفة صغيرة بها فتحة لها غطاء خشبي ربما لتكون خزينة لحفظ الكتب المقدَّسة والكتب الطقسية والهامة. والغرفة الثانية متسعة وبها معصرة كروم خشبية، والغرفة الثالثة بها مكان لتشوين الحبوب (ربما الترمس لأنه وُجد بكثرة في أرضية الحصن) ولطهي الطعام.
الهيكل الأوسط الجزء الأكبر منه مجرد ألواح خشبية غشيمة بعلوها مُصبَّعان من نجارة المشربيات العربية، ويتوسط هذه المجموعة المتواضعة باب نفيس، الحلق عبارة عن قائمتين جانبيتين جزؤهما الأسفل منـزوع، تزينهما وحدة زخرفية متكررة من ورق الشجر المتماوج تحمل العتب العلوي للباب. والفواصل الرأسية المزخرفة تقسم هذا العتب – أسفل الوحدات الزخرفية المتكررة إلى أربع فتحات مربعة كانت حتماً تحوي تقسيمات منقوشة لكنها غير موجودة الآن. وأسفل الفتحات المربَّعة عقد على شكل حدوة حصان يتوج الباب ومثبَّت على كفي الضلفتين. والمساحة المتخلِّفة بين عقد الباب والقائمين الجانبيين مع الفتحات المربعة العليا تحوي أبدع نقش بارز رمزي موجود في الدير: طاووس (الذي يرمز في الفن القبطي البيزنطي إلى الخلود. هذا الطاووس يلتقط حبات العنب من كرمة دقيقة الصنع نامية من كأس صغير أسفلها، وأغصانها تفترش المساحة الخلفية.
تحكي لنا إحدى المخطوطات عن تشبُّث رهبان دير أنبا مقار بالرجاء واحتفاظهم بروح العمارة والتجديد حتى في أحلك الأزمنة، فقد جاء في هامش مخطوط الفردوس العقلي بمكتبة دير أنبا مقار خبر عن إصلاحات تمَّت في الحصن القديم وبعض الأبنية المتهدِّمة في مدة الخمسة أشهر التي قضاها الأب البطريرك البابا أنبا يوحنا الثالث عشر البطريرك الـ 94 عام (1484-1524). وأثناء طول هذه المدة رسم أساقفة لعدة كراسي واجتهدوا في عمارة الأماكن المتهدِّمة بالدير وبجوسقه (أي الحصن) وعمل الموائد وتجديد المذابح وتكريز كنيسة صغرى على اسم القديس أنبا صموئيل المعترف ورفيقه في السبي أنبا يحنس القمص والتسعة والأربعين شيوخ شيهيت، وأبا نوفر السائح، وأنبا أبرآم وجرجه، وأنبا أبوللو وأنبا أبيب، وأنبا ميصائيل السائح، وأنبا بيجيمي، وذلك في يوم الأحد الذي هو الثاني من شهر طوبة (10 يناير 1517م). وكرَزَ أيضاً كنيسة بجانبها على اسم القديس أنبا أنطونيوس وأنبا بولا وأنبا باخوم، وذلك في يوم الأحد العاشر من شهر برمودة وهو أحد الشعانين سنة تاريخه (18 أبريل 1517م) وحضر الراهب الناسك القس المكرَّم تكلا الحبشي وصوَّر أيضاً صورة الملاك ميخائيل في كنيسته، وصوَّر أيضاً في قباله في الجانب الآخر واسيليدس وولديه حوله أوسابيوس ومقاريوس، وكذلك السيد يسطس وأبالي وثاوكليا. وكان في تلك الأيام ضيق عظيم في العالم وفي المملكة يغنى عن ذكره. وكان المقصود بتكريس هذه الأماكن وتصوير هؤلاء الشهداء والقديسين حلول بركاتهم وحماية الدير وعمارته بصلواتهم وطلباتهم. وفي حال تكريس هذه الأماكن وتصوير هؤلاء الشهداء والقديسين تمَّ حلول بركاتهم وحماية الدير وعمارته بصلواتهم وطلباتهم. وفي حال تكريس المذابح التي بالكنيسة الكبرى والكنيستين اللتين بالجوسق أحضروا أجساد الثلاثة مقارات القديسين وأنبا يحنس القصير وأجساد التسعة البطاركة، الرب يرحمنا بصلواتهم وطلباتهم. وقد حدث في حبرية الأب البطريرك أنبا يوأنس الـ 13 غزو الأتراك لمصر سنة 1517م.
كرسها أنبا يوأنس الـ 13 وقت أن كَرَز بقية كنائس الحصن، وقد رَسَمَ أيقونات الكنيسة الراهب القس المكرَّم تكلا الحبشي.
وعلى الحائط القبلي صور للشهداء الآتي أسماؤهم:
1 – أوسابيوس وقد انمحت صورته بسبب مياه المطر المتسرِّبة من السقف.
2 – واسيليدس والد أوسابيوس، له لحية، وعلى رأسه هالة نورانية يمتطي جواداً أبيض، يلبس خوذة مفتوحة وسترة مدرعة وعباءة مربوطة عند العنق وتتطاير خلف كتفه ويبرز من وراء الكتف الأيسر ترس مستدير، ويحمل في يده اليمنى رمحاً ينتهي طرفه السفلي بصليب. وفي ركن الصورة الأيمن توجد يد تشير إلى السماء (الله؟؟).
3 – يواجه هذا الرسم فارس صغير على حصان أحمر هو مكاريوس أخو أوسابيوس، يرتدي سترة مدرَّعة بيضاء تنتهي من أسفل عند الجذع بما يشبه المروحة وتحتها قميص أحمر قاتم، ثم عباءة عسكرية على الأكتاف، وخوذة على رأسه ويحمل رمحه بيده اليسرى. والأجزاء الظاهرة من الجسم ملونة باللون الوردي الزاهي، أما خلفية الصورة فباللون الأصفر القاتم. والجزء العلوي من الرسم عبارة عن زخارف أفقية كلاسيكية التصميم.
4 – يسطس: يلي هذا رسمٌ ليسطس الوزير بمقاس أكبر من سابقه، يمتطي جواداً وردي اللون ويرتدي سترة حربية حمراء وفوقها عباءة بيضاء، وحذاؤه باللون الأصفر القاتم.
5 – أبالي: وهذا هو آخر رسم على الحائط القبلي وقد تشوَّه بسبب مياه المطر المتسربة من السقف، وهو لأبالي بن يسطس ويرتدي ملابس صفراء قاتمة فوق قميص أبيض واسع يظهر عند العنق وفوق القدم اليسرى. ومع أنه ممسك برمح إلا أنه بدون المعدات الحربية التي في الرسومات السابقة.
6 – ثاوكليا: عند تقابل الحائط القبلي مع الحائط الغربي توجد صورة باهتة لامرأة واقفة بيدين مرفوعتين بالصلاة وملفوفة بثياب بيضاء فضفاضة محددة باللون الأحمر، والعنوان المكتوب على هذا الرسم بالمغرة الصفراء: ثاوكليا امرأة يسطس وأُم أبالي.
وقد رَسَمَ هذه الصور الراهب الناسك تكلا الحبشي سنة 1517م قبل تدشين كنائس الحصن على يد البابا يوأنس (الرابع والتسعين) الذي رشم الصور بزيت تقديس الكنائس كل صورة باسم صاحبها مع كل الصور التي في الكنائس الأخرى.
وبها رسم واحد يصور أنبا أنطونيوس ناحية اليمين ممسكاً بيده اليسرى العصا الرهبانية وبيده اليمنى صليب، وفي الوسط أنبا بولا أول السواح وتحته الأسدان اللذان ساعدا أنبا أنطونيوس في حفر المقبرة، وقد ستر الرسام جسده بملاءةٍ، وعلى اليسار الأنبا باخوميوس ممسكاً بكتاب يعبِّر عن القوانين التي أعطاها له الملاك
1- أنبا صموئيل المعترف وهو رئيس دير القلمون ويرتدي قلنسوة بيضاء وعباءة حمراء فوقها وشاح أصفر، يمينه تمسك بعكاز ويساره مفتوحة على صدره، ويتدلَّى من عنقه صليب متساوي الأضلاع. خلفية الصورة باللون الأحمر القاني.
2- أنبا يوأنس قمص شيهيت أحد السواح ورفيق أنبا صموئيل في السبي. يتدثَّر بوشاح أحمر وأبيض تحته عباءة صفراء تلتف حول جسمه. في يمينه صليب ويمسك بيساره كتاباً وخلفية الصورة باللون الأحمر.
3- أنبا نوفر جسمه عارٍ ولحيته بلون أصفر غامق تغطي جسمه من أمام إلى ما تحت الركبتين. وشعر رأسه يتدلَّى من خلف على كتفيه إلى أسفل القدمين، يداه مرفوعتان بالصلاة.
4- أنبا أبرآم (هذه الصورة مُحيت بسبب تسرُّب مياه الأمطار عليها).
5- أنبا جاورجي رفيق أنبا أبرآم، وكانا كلاهما معاصرين لأنبا يوأنس قمص شيهيت في القرن السابع. وفي الصورة يرتدي وشاحاً أصفر فوق عباءة حمراء وبيده اليمنى صليب وباليسرى عكاز، وقلنسوة بيضاء فوق رأسه.
6- أنبا أبوللو يرتدي وشاحاً أحمر فوق عباءة صفراء. بيده اليمنى صليب وباليسرى عكاز.
7- أنبا أبيب يتدثَّر بوشاح أصفر تحت عباءة حمراء وفي يده اليمنى عكاز وباليسرى كتاب.
8- أنبا ميصائيل السائح من دير القلمون يرتدي وشاحاً أحمر فوق عباءة صفراء واليدان تمسكان بكتاب على صدره.
9- أنبا بيجيمي. يرتدي وشاحاً أصفر وعباءة حمراء ويمسك بكتاب على صدره. هذه الصورة تبدو كما لو كانت مضغوطة في إطارها بسبب ضيق المساحة الباقية لها.
وهذه الصور أيضاً رُسمت بيد الراهب تكلا الحبشي في القرن السادس عشر.