وُلِدَ بالإسكندرية سنة 296م من أسرة فقيرة. وكان يعمل أولاً خبازاً، يصنع الفطائر والحلوى ويبيعها. نال سر المعمودية المقدسة في الثلاثين من عمره، فتقوى بالنعمة، وكان يسمع عن أخبار النساك والرهبان. فقام بزيارة القديس أنطونيوس أب الرهبان سنة 335م. وعند عودته قصد برية نتريا (برية نتريا: تبعد 65كم جنوب غرب الإسكندرية، 15كم عن دمنهور، وهي حالياً أطلال بمركز حوش عيسى محافظة البحيرة) وكان عمره وقتئذ 38 سنة تقريباً. كانت المنطقة عامرة بالقلالي الرهبانية التي أسسها القديس آمون سنة 315م تقريباً.
تتلمذ على يد القديس آمون لمدة عامين حتى تنيَّح سنة 337م، ثم على يد خليفته القديس بامو الذي استلم رئاسة الدير سنة 340م. ولما تعمقت حياة مكاريوس النُسكية، ونما في وجهاده مضى إلى دير طبانسين، حيث تنكر في زى خادم. فلما رآه رئيس الدير أنه شيخ، منعه لعدم مقدرته على الحياة الشاقة. وبعد إلحاح قبله، وكان ذلك في الصوم الأربعيني، فكان يصوم أسبوعاً أسبوعاً ويفطر على ورق الكرنب كل يوم أحد، علاوة على سهره وشغل اليد. وقد أدى ذلك إلى إصابته بضعف شديد إضافة إلى أنه أصبح نحيف الجسم للغاية. فتذمر الرهبان وقالوا للقديس باخوميوس أب الشركة: ” أَخرِّج هذا الرجل من هنا لأن ليس له جسداً “. أما باخوم فعرفه بإرشاد إلهي. ولما اُكْتشِفَ أمره، ذهب وتوحد بمنطقة القلالى والتي تبعد عن نتريا بنحو عشرين كيلومتراً، وكان القديس إيسوذوروس قساً للقلالى. وفي سنة 355م رسموا القديس مكاريوس قساً وسلموه رئاسة القلالى بدلاً من القديس إيسوذوروس، الذي ذهب إلى شيهيت لمساعدة القديس مكاريوس المصري (الكبير)، كما أنه بعد نياحة القديس بامو سنة 373م، استلم مكاريوس الإسكندري رئاسة منطقة نتريا، وذلك لأن القلالي ونتريا كانتا قدأصبحتا متلاصقتين بعد أن زاد عدد الرهبان فيهما. واستمر هكذا حتى نياحته سنة 393م.
كما أن هذا القديس نُفي مع القديس مكاريوس المصري إلى جزيرة فيلة على يد فالنس الإمبراطور الأريوسي، وقد وهب الله لهذا القديس نعمة عمل المعجزات، وكان ذا طابع مرح ممزوجاً بالبساطة واللطف. ولما أكمل سعيه الصالح وجهاده الحسن تنيَّح بسلام في سنة 109 للشهداء ( 393م ).
المتحقق ليدنا أن آمون الكبير تنيح سنة 337م. بعد أن قضى حوالي 22 سنة في نتريا، تاركًا القديس بامو أعظم تلاميذه يلكون رئيسًا من بعده على نتريا والقلالي جميعًا، فبمجيء مقاريوس الإسكندراني إلى نتريا سنة 335م. كان بامو له سبع سنوات رئيسًا على المنطقة فتتلمذ على يديه. ولكن من سيرته ونشاطه وذكائه وحبه للنسك وغيرته من فضائل القديسين وسرعة تقليده لأعاظم النساك، نعتقد أن القديس أنبا مقار الإسكندراني كان كالنحلة النشيطة، فقد التقط المعرفة الروحانية بسهولة وبسرعة من كافة الآباء العظام، وبالأخص القديس بامو المعتقد أنه أبوه الروحي، ويُعتقد أيضًا أنه زار القديس أنطونيوس الكبير، كما رافق في كل مراحل حياته القديس مقاريوس (الكبير) سميَّه الذي كان يحبه ويحترمه كأب، والذي كان يسبقه في الرهبنة بحوالي خمس سنوات، كما كان يسبقه في الكهنوت بحوالي خمس عشرة سنة. فأنبا مقار المصري نار رتبة الكهنوت عام 340م، أما الإسكندراني فقد نالها بعد سنة 355م. حسب تحقيق إفلين وايت اعتمادًا على معلومات المؤرخ سوزومين[1]. وهكذا يبدو أن المصري متقدمٌ في الأبوة عن الإسكندراني. والمعروف أن الإسكندراني استلم القسوسية ليكون رئيسًا على القلالي بعد القديس إسيذوروس. وهذا يتحقق لنا من الخطاب الذي أرسله أمونيوس لثاوفيلس البطريرك 23[2]، وذلك سنة 355م، والذي يذكر فيه أن إسيذوروس كان هو قس المتوحدي بالقلالي. ومن قصة زيارة القديس أنبا مقار الإسكندراني رهبان دير القديس أنبا باخوم بطبانسين لتقلينهم درسًا رائعًا في اتضاع النسك، نعلم مقدار سرعة نمو القديس أنبا مقار الإسكندراني في النسك والفضيلة. فهذه الزيارة حدثت قبل نياحة أنبا باخوم بمدة. وهذا يتحتم أن يكون قبل سنة 346م، وهي السنة التي تنيح فيها القديس باخوم. فإذا علمنا أن الإسكندراني التحق بالحياة الرهبانية سنة 335م، فهذا يعني أنه في أقل من عشر سنوات استطاع مقاريوس الإسكندراني أن يتقن الصوم الانقطاعي للدرجة التي فيها استطاع أن يصوم أربعين يومًا ممتالية لا يأكل ولا يشرب إلا ورقة كرنب واحدة كل يوم أحد، علاوة على سهره وشغل يديه اليومي ووقوفه على رجلين دون أن يحنيها.
من هنا نعلم أي رجل حديدي كان هذا الأب القديس الإسكندراني، هكذا يبدو لنا تمامًا. كما كان يبدو لأهل نتريا والقلالي نموذجًا رائعًا للذين قيل عنهم أنهم نادرًا ما كانوا يوقدون نارًا في قلاليهم لطهي الطعام. وقد ضرب القديس أنبا مقار الإسكندراني رقمًا قياسيًا في ذلك لسبع سنين متوالية[3].
وقد اشتاق أنبا مقار الإسكندراني إلى الوحدة فانحدر من نتريا إلى منطقة القلالي القاحلة سنة 373[4].
والمعروف أن مقاريوس الإسكندراني استلم الرياسة والكهنوت على نتريا بعد بامو[5].
وقد تتلمذ على يد مقاريوس الإسكندراني تلاميذ لا حصر لهم، منهم بالليديوس نفسه وأوغريس أيضًا وبعض الإخوة الطوال المهتمين بالأوريجانية.
وقد وصف لنا بالليديوس الثلاث سنوات الأخيرة من حياة مقاريوس الإسكندراني بأنها كانت خصبة، أجرى فيها ثلاث معجزات. وقد ظل يؤدي خدمته الكهنوتية بوصفه رئيسًا لمنطقة القلالي حتى النهاية مع أنه كان قد ناهز المائة عام تقريبًا، وكان قد فقد أسنانه وبدا قصيرًا نحيفًا ذا شارب باهت خفيف وشعيرات قليلة في لحيته لأن نمو لحيته أصلًا كان ضعيفًا بسبب شدة نسكه. ويحكي لنا المؤرخ سقراط أن القديس مقاريوس الإسكندراني كان ذا وجه بشوش كثير الترحاب بالزائرين يقود المبتدئين في طريق الرهبنة بلطف وعذوبة إلى أن يمسكوا بحبل التلمذة الحقيقية[6]. وحينما سأله الأب الكبير باخوميوس عن معاملته للرهبان والزائرين، لأنه كان قد سمع أن مقاريوس يأخذ الرهبان بشدة ويعاقبهم بلا قانون أو ترتيب وخصوصًا الذين من الخارج (قصة الثلاث نخلات) أجابه: “نحن نهذبهم بالحق والعدل، أما الذين من الخارج لا سلطان لنا عليهم”. والمعروف عن مقاريوس الإسكندراني أنه كان يعلم تلميذه بافنوتيوس قائلًا: “لا تسيء إلى أحد ولا تدن أي إنسان. اعمل ذلك وأنت تخلص”[7].
والمعروف من أقوال الآباء أن مقاريوس الإسكندراني ملك زمام عدة فضائل متماسكة: اللطف والعدل والمحبة مع الاحتمال الشديد وسرعة الاعتراف بالخطأ. وقد اشتهر هذا القديس بصنع أشفية كثيرة ومعجزات.
وكانت نياحته في اليوم السادس من بشنس سنة 393م حسب تحقيق سنكسار باسيه، وأبو البركات، وتيسران[8] وهذا هو الأرجح، ولكن يقول إفلين وايت أن ذلك كان في يناير سنة 393م[9].
ويقول بالليديوس أن أنبا مقار الإسكندراني كان أحد دعائم ازدهار الرهبنة في القلالي، إذ قد بلغ عدد الرهبان الذين كانوا تحت تدبيره حوالي 600 راهب. والمتحقق تاريخيًا أن المقارَيْن الإسكندراني والمصري كانا صديقين حميمين، وقد تحمَّلا معًا آلام النفي في إحدى جزر أعالي النيل (جزيرة فيلة) جنوب أسوان، وفي مصدر آخر يقال أن ذلك كان في جزيرة شمالي الدلتا، على يد الإمبراطور فالنس.
عن القمص متى المسكين، الرهبنة القبطية، ص 203-205.
[1] Sozom., H.E., III:14,3.
[2] Acta SS, May III, Appen., p. 71, ch. 24.
[3] Ev. Wh., II, p. 56.
[4] Curz., Visits to Monasteries, p. 77.
[5] Ruff., H.E., II, 8.
[6] Socr., H.E., IV, 23.
[7] Ev. Wh., II, p. 58.
[8] Ibid., p. 91 note.
[9] Ibid., p. 88.