درجة الدكتوراه  مع مرتبة الشرف الأولى


باحثة تنال درجة الدكتوراه عن رسالة حول:

"دراسة مقارنة عن تجديد الفكر اللاهوتي الفلسفي

بين توما الأكويني من القرن الثالث عشر وبين الأب متى المسكين"

نالت الباحثة "عايدة نصيف أيوب" درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى عن الرسالة المقدمة في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة يوم الأربعاء 24 يونيو 2009، وموضوعها " تجديد الفكر اللاهوتي الفلسفي – دراسة مقارنة بين القديس (الكاثوليكي في القرن الثالث عشر) توما الأكويني وبين الأب متى المسكين"، مع التوصية بطباعة الرسالة على نفقة الجامعة وتبادلها مع الجامعات الأخرى.

 

 

ناقش الباحثة لجنة جامعية مكونة من: الأستاذ الدكتور محمد عاطف العراقي أستاذ الفلسفة العربية بكلية الآداب - عضواً ورئيساً، والأستاذة الدكتورة زينب محمود الخضيري أستاذة الفلسفة المسيحية بالعصور الوسطى بكلية الآداب – مشرفاً، وهي التي أشرفت على الباحثة في إعداد الرسالة، والأب الأستاذ الدكتور كريستيان فان نِسْبن الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية واللاهوتية بالمعادي – عضواً.

إقرأ مقتطفات من كلمة الدكتور عاطف العراقي عن موضوع البحث وأهميته              إقرأ نص كلمة الأستاذة الدكتورة زينب الخضيري
                                    أو شاهد الحديث فيديو                                                أو شاهد الحديث فيديو

إنتظر صدور CD عن جلسة المناقشة كاملة 4 ساعات



ونقدم ملخصاً للرسالة قرأته الباحثة قبل بدء مناقشتها بواسطة أعضاء اللجنة:

المقدمة

أولاً: موضوع الدراسة:

تناولت هذه الدراسة مُفكِّرَين إثنين مسيحيين، مُختلِفين مذهبياً وحضارياً وزمنياً. الأول: هو القديس توما الأكويني الكاثوليكي مؤسس الاتجاه التجديدي بواسطة الأرسطية (أي المتصل بفلسفة أريسطوطاليس) في الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط، والثاني: هو العالم والراهب والمُصلح والمفكر اللاهوتي الأرثوذوكسي الأب متَّى المسكين صاحب الاتجاه اللاهوتي التجديدي في العالم العربي المعاصر، والذي وجد اتجاهه أصداءً في العالم كله؛ لانفتاحه على القضايا الإنسانية العالمية.

وبالرغم من اختلاف هذين اللاهوتيين في عدة أمور أساسية، إلا أنهما متفقان في الموقف التجديدي في اللاهوت والعمل على صلاح المجتمع. وأبرزت هذه الدراسة بعض المفاهيم الفلسفية واللاهوتية عند كل من توما الأكويني والأب متى المسكين، وكيف استخدم كل منهما العقل والنقل في إبراز هذه المفاهيم اللاهوتية، وكيفية توظيف الفلسفة لتوضيح هذه المفاهيم ومنها التبرير والخلاص والإيمان والمحبة والرجاء، وعلاقتهم بالسعادة الإنسانية. كما أظهرت الدراسة علاقة السياسة بالأخلاق وأثرهما على المجتمع، بالإضافة إلى دور الكنيسة والسلطة الدينية في توجيه المواطن المسيحي؛ ليكون مواطناً فعالاً وإيجابياً، وظهر ذلك بصورة جلية عند الأب متَّى المسكين.

وتناولت الدراسة توظيف توما الأكويني للفلسفة والمنطق لطرح قضايا ومفاهيم العقيدة المسيحية، مع تعويله بالطبع على نصوص الكتاب المقدس، طرحاً جديداً قوامه "رؤية" جديدة للعالم أي لله وللعالم وللإنسان.

وأبرزت الدراسة فكر الأب متى المسكين ووعيه، ليس بالدين واللاهوت المسيحيَين فحسب، وإنما بقضايا العالم المعاصر كذلك، مع تعويله على نصوص الكتاب المقدس في طرحه لكثير من القضايا التي تخص الله والعالم والإنسان، واستخدامه لآليات الشرح والتفسير والتأويل؛ أي أن الدراسة عرضت رؤيته الجديدة للعالم، وقوامها أيضاً كما هو الحال عند توما الأكويني الله والعالم والإنسان.

وتناولت الدراسة كذلك قضية علاقة الفلسفة بالدين عند كل من توما الأكويني والأب متى المسكين، والتي تناولها الفلاسفة المسلمون والفلاسفة المسيحيون من قبلهما؛ مبينةً تجديد كل منهما في عصره للفكر المسيحي، وتوظيفه للفلسفة في تجديد الفكر الديني المسيحي.

ورصدت هذه الدراسة، بما فيها من مقارنة بين هذين اللاهوتيَين المتفلسفين، التشابه والاختلاف بينهما؛ ولهذا فهي تندرج في مجال الدراسات المقارنة التي من شأنها إبراز حقيقة كل طرف من طرفي المقارنة. بالإضافة إلى توضيح الفكر المسيحي من خلال مفكرين مختلفين مذهبيّاً وحضاريّاً وزمنيّاً.

ثانياً: أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة في حقيقة الأمر إلى:

1. عرض الفكر اللاهوتي – الفلسفي - الاجتماعي لكل من توما الأكويني والأب متى المسكين، وأثره التجديدي في المجتمع وفي الفكر المسيحي الكاثوليكي بالنسبة للأول، والأرثوذُكسي بالنسبة للثاني.

2. توضيح الدور الذي يمكن أن تلعبه مفاهيم العقيدة المسيحية في الحياة.

3. إبراز دور الفلسفة في عرض مفاهيم اللاهوت عند توما الأكويني، وإبراز المشروع الإصلاحي التحديثي عند الأب متى المسكين؛ لتجديد الفكر اللاهوتي العربي المسيحي، ولجعله أكثر انفتاحاً على كافة أنواع الفكر الديني.

ثالثاً: أهمية الدراسة:

1. جذب أنظار الباحثين إلى وجود لاهوت مسيحي مصري عربي معاصر بجانب اللاهوت الغربي.

2. تأكيد أهمية تجديد الفكر الديني بما لا يتعارض مع النص المقدس.

3. تأكيد أهمية الانفتاح على ثقافات مختلفة للاستفادة منها.

4. كشف دور العقيدة المسيحية في إصلاح المجتمع، سواء عند توما الأكويني بمنهج عصره، أو عند الأب متى المسكين بآليات القرن العشرين.

رابعاً: محتويات الرسالة

تتكون الرسالة من مقدمة وأربعة فصول تعقبها خاتمة، تناولت المقدمة الموضوع وأهميته.

تناول الفصل الأول: عوامل تشكيل فكر كل من توما الأكويني الكاثوليكي الغربي الذي عاش في القرن الثالث عشر، والأب متى المسكين القبطي الأرثوذوكسي المصري الذي عاش بيننا، وموقف التجديد الفلسفي اللاهوتي عند كل منهما، ومنهج كل منهما في تفسير الكتاب المقدس وتأويله، وبيان علاقة العقل بالنقل عندهما.

وتناول الفصل الثاني: مفاهيم التبرير والإيمان وربطهما بمفهوم الخلاص عند كل منهما، مع المقارنة بينهما.

وفي الفصل الثالث: تم تناول بعض الفضائل المسيحية عند كل من توما الأكويني والأب متى المسكين كالرجاء والإيمان والمحبة، وعلاقة هذه الفضائل بمفهوم السعادة الإنسانية، مع المقارنة بينهما.

أما الفصل الرابع: فعالج علاقة الأخلاق بالسياسة عند كل من توما الأكويني والأب متى المسكين، مع المقارنة بينهما. وجاءت الخاتمة لتتضمن عرض النتائج التي توصلت إليها الباحثة.

الخاتمة

توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:-

يمكن اعتبار كل من " توما الأكويني" و"الأب متى المسكين" من أكبر اللاهوتيين المتفلسفين في تاريخ الكنيسة الغربية والعربية، فالأول صاحب الاتجاه الفلسفي الأرسطي في تناوله للاهوت الكنيسة الغربية، وفي معالجة مفاهيم وقضايا ذات أهمية كبيرة في حياة المسيحي وعلاقته بالمجتمع. ولقد أقام الأكويني لاهوته الفلسفي على قواعد أرسطية؛ منفتحاً على الآخر المختلف والمتنوع؛ ساعياً للحوار معه كما سبق وأن أوضحت.أما الثاني،أي "الأب متى المسكين" فهو كذلك مجدد للفكر الديني المسيحي في الكنيسة العربية الأرثوذكسية؛ وكانت غايته الأساسية توضيح الدور الحقيقي للرسالة المسيحية من خلال دعوته للوحدة المسيحية التي تقوم على تأسيس النضج الإيماني الذي يتغلب على مفارقة الفكر واختلاف الوجدان؛ ومن ثم إصلاح الجزء لإصلاح الكل.

ولقد تبين لي أن منهج "توما الأكويني" يتسم بطابعه العقلي؛ فهو مزيج من الاعتماد على البراهين العقلية وعلى نصوص الكتاب المقدس، الأمر الذي يتضح في معظم مؤلفاته وخاصة "الخلاصة اللاهوتية"، و"الرد على الوثنيين"، و"مختصر اللاهوت"، وكثيراً ما تدور حول إثبات أن العقل والمفاهيم العقائدية لا تعارض بينهما؛ وذلك عند عرضه لمفهومي الخلاص والتبرير، والمفاهيم الخاصة بالفضائل المسيحية كالإيمان والمحبة والرجاء؛ وذلك يرجع إلى إنه استنبط من أرسطو المنهج الفلسفي واستند إلى نصوص الكتاب المقدس.

أما منهج "الأب متى المسكين" فقد تبين لي أنه يتسم بطابع روحي، يتضح في كل مؤلفاته اللاهوتية والاجتماعية والفلسفية، التي تهدف إلى إصلاح المجتمع الذي ينطلق من إصلاح الإنسان روحياً؛ لينعكس ذلك على المجتمع، ومن ثم ارتقاؤه. فمشروعه إصلاحي من الدرجة الأولى.

وقد أوضحتُ التأثير الأرسطي على لاهوت "توما الأكويني"، وخاصة عند عرضه لمفهوم الإيمان والمحبة والرجاء، ولقضية علاقة الأخلاق بالسياسة وأثر ذلك في إصلاح المجتمع. كما أوضحتُ تأثير فكر آباء الكنيسة في العصور الأولى على لاهوت "الأب متى المسكين" في عرضه لمفهوم الإيمان وعلاقة الوطن الأرضي بالوطن ألسمائي في الفصلين الثالث والرابع. كما أوضحتُ الأصول الإنجيلية لرؤية "الأب متى المسكين" للنظام الاشتراكي كنظام يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

ولقد تبين لي أهمية "توما الأكويني" كلاهوتي وفيلسوف في العصور الوسطى؛ حين وظف العقل بواسطة المفاهيم الأرسطية؛ لعرض العقيدة المسيحية. كما تبين لي أيضاً أهمية "الأب متى المسكين" كلاهوتي ومفكر معاصر حين قام بتفسير الكتاب المقدس وشرحه وتأويله تأويلاً يناسب الإنسان في كل زمان ومكان، متفقَاً مع الأصول الإنجيلية والتقليد الآبائي. وهو ما يُبرز الدور الإحيائي لكل من "توما الأكويني" و"الأب متى المسكين".

رأى " توما الأكويني" أن الحقيقة واحدة، وهى الحقيقة الدينية، وأن لكل من الدين والعقل ميدانه الخاص، فقد جعل الفلسفة تابعة للدين، ووظفها لإيضاح العقيدة المسيحية، بما أن العقل والنقل لا يتعارضان، في حين نجد أن هذه العلاقة عند "الأب متى المسكين" ليست ثابتة، ولكن السمة الواضحة في كتاباته اللاهوتية والاجتماعية هي الإيمان يتقدم على العقل؛ ولذا يمكن القول أن اتجاهه روحي بالدرجة الأولى.

ومن أبرز معالم اللاهوت الفلسفي لتوما الأكويني تناوله لمفهومي التبرير والخلاص - كما سبق وأوضحت الباحثة- في الفصل الثاني. كما أن من أهم معالم لاهوت "الأب متى المسكين" شرحه للكتاب المقدس، وتأويله للإنجيل من منظور آبائي فلسفي يتفق مع كلمة الله في الكتاب المقدس، كما يتفق مع روح العصر بما فيه من متغيرات، منطلقاً من قضية أن كلمة الله التي هي الإنجيل صالحة لكل زمان ومكان وعلى مر العصور.

وحاولت الباحثة كذلك تسليط الضوء على رؤية "الأب متى المسكين" لمفهوم الكنيسة، وقوامه أن عمل الكنيسة الآن هو إعداد المؤمنين لقبول الملكوت، أما عمل المؤمنين فهو الحصول على شهادة قبول الملكوت بمقتضى عمل الإيمان في السلوك والحياة اليومية، أي إنه نجح في إقامة علاقة هامة بين سلوك الإنسان على المستوى الفردي والاجتماعي واستحقاقه للملكوت.

كما اجتهدتُ في معالجة مجموعة من العلاقات عند كل من "توما الأكويني" و"الأب متى المسكين" على رأسها علاقة الأخلاق بالسياسة، وعلاقة السلطة الدينية بالسلطة السياسية. ولقد أبرَزتُ تقديم كل منهما لرؤية واعية لثالوث: الله، والإنسان، والعالم. وتوصلت إلى أن كلاً منهما كان يعمل جاهداً من أجل صلاح المجتمع الإنساني، الأول سعى لذلك في الغرب في القرن الثالث عشر، أما الثاني ففعل نفس الشيء في عالمنا العربي في القرن العشرين. تلك الرؤية التي بالرغم من تعويلها على نصوص الكتاب المقدس والتراث المسيحي المتمثل في آباء الكنيسة، تسعى بجرأة للتجديد، وتعمل جاهدة على الارتقاء بالإنسان وتفعيل دوره المجتمعي في مشاركته السياسية ودوره الروحي في الكنيسة.

وأبرزت الدراسة إدراك "الأب متى المسكين" الدقيق للتنوع الفريد في منهج المسيحية وقد وصفه بالشمولية، فقام بتحديد اختصاصات الكنيسة وحدود نشاط الكنيسة بالنسبة للدولة. وكانت الغاية من ذلك تعريف المواطن المسيحي بما له وبما عليه تجاه الكنيسة والدولة.

أما أهم ما توصلت إليه الدراسة فهو إنه بالإمكان اعتبار "الأب متى المسكين" من الفلاسفة الوجوديين أي بالوجودية المسيحية المؤمنة (وليس الوجودية المُلحدة أو الإباحية)؛ فقد اهتم بالوجود الفعلي للإنسان وبمشكلاته وعلاقته بغيره من أفراد الكنيسة والمجتمع، واهتم أيضاً بتجارب الإنسان التي يمر بها مُقدِّماً حلولاً تناسب الدين والدولة.

تناولت الدراسة جانباً مما يسمى بالفلسفة العربية المسيحية في القرن العشرين، وأوضحت أن الفلسفة المسيحية ليست قاصرة على العالم الغربي، وأن الفلسفة العربية المسيحية تحتاج إلى دراسات أخرى للكشف عن عناصر فلسفية عربية مسيحية، سواء في التراث العربي الوسيط، أو في الفكر العربي الحديث والمعاصر.

This site is issued by the Monastery of St Macarius the Great at Scetis