دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

 

العودة إلى الفهرس العودة إلى الفهرس الصفحة السابقة

خـاتمـــة وملخص

 

هناك في العلم اللاهوتي القبطي الأرثوذكسي المعاصر، تباين واضح بين التقليد (المتوارث من الكتابات العربية في القرون الوسطى)، وبين حركة الإحياء الرهباني. وهذا التباين الذي هو ضروري دائماً - للأسف - مع كل تطوُّر لاهوتي، قد تأثـَّر سلباً بتاريخ المجادلات مع الإسلام ومع النشاط التبشيري الغربي. فمنذ عُزِل البابا الإسكندري في مجمع خلقيدونية، والكنيسة القبطية في موقف الدفاع (ضد مناوئيها)، لذلك فقد حفل الكثير من تاريخها اللاهوتي بمظاهر الجدالات ضد التعبيرات العقائدية الخلقيدونية، وضد النقد الإسلامي للتعاليم المسيحية عن الثالوث والتجسُّد، وضد العقائد الرومانية الكاثوليكية حول الرئاسة البابوية، وضد تعاليم المبشِّرين البروتستانت؛ هذه الجدالات التي تركَّزت بالأكثر حول بعض النقاط مثل ”المطهر“ (بالنسبة للكاثوليك)، والكهنوت (بالنسبة للبروتستانت).

وكثيراً ما نُظِرَ إلى محاولات الإحياء الرهباني (باتخاذ كتابات آباء الكنيسة مرجعاً ومنهجاً)، على أنها تُضعف من خطوط الدفاع ضد الهجوم على عقائد الكنيسة كما هو مذكور أعلاه، مما جعل المجادلين (في الكنيسة القبطية) يتشدَّدون في مواقفهم العقائدية؛ حتى أنه صار يُنظر أحياناً إلى الدراسات الغربية عن آباء الكنيسة - حتى وإن قام بها لاهوتيون من الكنائس الأرثوذكسية - بنظرة من الشك، بل والرفض، وذلك بتأثير من الكتابات المسيحية العربية من القرون الوسطى، والتي يُقتطف منها مقاطع فقط بقصد كشف موقف الهرطقة الخلقيدونية عن طبيعة المسيح.

إن التجديد في الكنيسة هو إلى حدٍّ كبير نتيجة حركة إعادة الإحياء للرهبنة في البرية. وهنا، ومن أعماق تقليد الصحراء استطاعت الكنيسة أن تجدد الكنيسة من جديد ثقتها في نفسها. ولكن ما لم تنعكس حركة التجديد الرهباني وروحانيتها لاهوتياً وتدخل في حوار مع العلم اللاهوتي الحديث بكافة مذاهبه، فبالكاد ستُساهم في تطوُّر العلم اللاهوتي المسيحي إلى أبعد مدى؛ بل بالعكس، ستصير بسهولة محصورة في روحانية عاطفية حيث تجعل التقليد اللاهوتي بلا تأثير، بل حتى قد تجعله تقليداً متحجِّراً، وبهذا تكون سنداً للتعصُّب وللاستعلاء الذاتي المذهبي.

* ولكن مع الأب متى المسكين، أصبح لدى الكنيسة عالم لاهوتي عميق الرؤية، استطاع أن يمتص ويفحص وينقد الأبحاث اللاهوتية الغربية دون اللجوء إلى موقف الدفاع. وأصبحت المهمة الآن هي شرح علمه اللاهوتي الروحي في إطار الحوار المثقف الراقي، سواء بين علم اللاهوت الغربي وبين علم اللاهوت الشرقي، أو بين علم اللاهوت المسيحي وبين الإسلام.

ويظهر مَثَلٌ خاص لهذا الحوار بين الرؤى اللاهوتية لحركة الإحياء الرهباني وبين التقليد الغربي، في الحوارات المسكونية بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وسائر الكنائس. وهناك تاريخ طويل من الحوار مع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى انتهت باعتراف الأطراف كلها بالاتفاق اللاهوتي بين الكنيسة القبطية وسائر هذه الكنائس الأرثوذكسية، مما أسفر عن تعاون في مجال التعليم اللاهوتي(35).

أما الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية فقد استؤنف عام 1988 بعد انقطاع دام تسع سنوات، وبلغ إلى اتفاق على المسألة الأساسية حول طبيعة المسيح. ولكن هناك تقدُّم قليل حول النقاط العقائدية المختَلَف عليها، ولكن لا يوجد سوى علامات قليلة عن وجود أي تأثير من حركة الإحياء الروحي في هذا الحوار. ولكن هناك استثناء، هو بعض اللقاءات التي نظمها المعهد الكاثوليكي المُسمَّى( Pro Oriente). (36)

كما أن هناك مناقشات دائرة مع الكنيسة الإنجليكانية ومع كنيسة السويد (التي ينتمي إليها كاتب المقال).

ويأمل الجميع أن تكون هذه الحوارات قادرة على أن تتغلَّب على الشكوك التي كانت في اللقاءات السابقة، وعلى أن تفتتح صفحة جديدة من الدراسة المشتركة لآباء الكنيسة ورسالتهم في تغيير النهج ”السكولاستيكي - المدرسي“، سواء الغربي منه أو الشرقي.

(انتهى البحث)

(35) الاتفاقات التي تمَّت في المشاورات الأربع غير الرسمية (1964، 1967، 1970، 1971)، نُشرت في:

The Greek Orthodox Theological Review.

كما جُمعت الإسهامات الهامة من اللاهوتيين الأرثوذكس من الكنائس الشرقية القديمة والكنائس الشرقية في كتاب:

Does Chalcedon Divide or Unite? (ed. Paulos Gregorios, William H. Lazareth and Nikos A. Nissiotis), WCC, 1981.

أما المزيد من المناقشات الحديثة فقد نشرتها مجلة Irénikon. وقد نُشرت الوثائق في:

Dokumente wachsender ?bereinstimmung. S?mtliche Berichte und Konsenstexte interkonfessioneller Gespr?che auf Weltebene, vol. 1-2, Paderborn & Frankfurt a.M.: Von Harding Meyer…, 1983,1991.

(36) الوثائق التي صدرت عن المرحلة السابقة لهذا الحوار نُشرت بالإنجليزية في:

(The Roman Catholic Church and the Coptic Orthodox Church, Documents 1973-1988), Vatican City: The Pontifical Council for Promoting Christian Unity, Information Service N. 76 (1991: I).

وللتحليل الكاثوليكي، انظر:

Johannes Madey, "Die ?kumenischen Beziehungen zwischen der katholischen und der koptisch-orthodoxen Kirche seit 1973", Catholica 35 (1981) 141-153.

وهناك تعليقات على التطوُّرات اللاحقة، نُشرت بانتظام في مجلة: Irénikon.