دير القديس العظيم أنبا مقار
الصفحة الرئيسية  مجلة مرقس الشهرية - محتويات العدد

 

الصفحة التالية العودة إلى الفهرس الصفحة السابقة

المعالم الهامة

لخصائص وسمات كتابات الأب متى المسكين

 

ولكن إن كان يخرج عن مجال هذا المقال القصير أن أُقدِّم توصيفاً دقيقاً لكل كتابات الأب متى المسكين، إلاَّ أني بدلاً من ذلك سأُلقي الضوء على المعالم الهامة لسمات أو خصائص كتاباته، وهي:

1. التجسُّد؛

2. الصلاة؛

3. الشركة.

وبالإضافة إلى ذلك سأحاول توضيح العوامل الرئيسية التي توجِّه كتابات الأب متى المسكين، وهي:

1. اختبار القراءة المُركَّزة للكتاب المقدس؛

2. تأثير كتابات آباء الكنيسة؛

3. الغاية المسكونية.

 

السمة الأولى: التجسد

 

والأب متى المسكين، مثله مثل الكثيرين من الآباء الشرقيين للكنيسة، وعلى الأخص القديس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الإسكندري الاثنان من آباء الكنيسة المحبَّبين للأب متى المسكين؛ يمثِّل التجسُّد بالنسبة له عنصراً رئيسياً في علم اللاهوت الذي يكتبه.

- فالتجسُّد يُصالح السماء والأرض(26).

- ومن خلال التجسُّد أُعطِيَ للإنسان القدرة على تحويل التاريخ الزائل إلى تاريخ للخلاص.

- الزمن له السلطان أن يقتل، ولكن التجسُّد وقيامة المسيح يُجرِّدان الزمن من هذا السلطان.

- من خلال تجسُّد المسيح، تصير الخليقة المادية الزائلة متقدِّسة.

- ومن خلال كتابات الأب متى المسكين السلوكية الأخلاقية، يقود هذا المفهوم إلى تقييم إيجابي عن كيف يجب أن يُعبِّر الجسد والجنس عن كنوز روحية(27).

- وبهذا يكون النسك هو نتيجة طبيعية للإيمان بالطبيعة المتجسِّدة للمسيح.

- وجه هام آخر لهذا التأكيد على التجسُّد يظهر في رؤية الأب متى المسكين للتجسُّد، ذلك هو رؤيته للسمة التاريخية للإيمان المسيحي. وعلى الأخص في مناداته بالمسكونية، فالأب متى المسكين يؤكِّد على السمة التاريخية للعقيدة، حيث يُظهر أن هذه السمة التاريخية هي جزء من صُنع الحضارة في شعبٍ ما، وهذا أمر أساسي في الإيمان المسيحي كمثل الإيمان بتجسُّد ابن الله. والكنيسة مدعوَّة، ليس فقط أن تُعلِن الوحدة المسيحية، بل وأن توحِّد العالم كله. وهذه المهمة أو الواجب يفترض أساساً الوحدة المسيحية التي يمكن الوصول إليها فقط من خلال شركة القديسين، أي الشركة المؤسَّسة على التوبة والتواضع والمحبة والرحمة.

 

السمة الثانية: الصلاة

 

مفتاح آخر لعلم اللاهوت، بحسب الأب متى المسكين، هو المكانة الأساسية التي يُعطيها للصلاة. فبالرغم من أن الإنسان مدعوٌّ أن يحيا كِلتَا الحياتين: حياة العمل، وحياة التأمُّل؛ إلاَّ أنه واضح أن حياة التأمل هي الحياة الأكثر حيوية. فحياة الاعتكاف للتأمل هي التي تعدُّ البشر للحياة الأبدية في حضرة الله، وتحفظهم مستقيمين في حياة العمل. وبهذا يكون العامل الأكثر حيوية في تجديد الإنسان، هو الصلاة. وممارسة النسك ضرورية باعتبار النسك هو الوسيلة للاستعداد للصلاة والدخول فيها.

وفي كتاب ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“، يسرد الأب متى المسكين المستويات المختلفة للصلاة، وما هو ضروري لتحقيق عملية التقدُّم، الذي يشرحه تعليم آباء الكنيسة الروحيون، بالتقدُّم من اختبار التأمل الطبيعي (العقلي)، إلى حالة التأمل بالروح، ثم إلى موهبة رؤية الله. وهنا يرى الأب متى المسكين تقدُّماً من حالة ”الدَّهْش المطلق“ إلى رؤية الله، ثم إلى الاتحاد بالله. والسمة التي تميِّز الأب متى المسكين في هذه الفصول من كتاب ”حياة الصلاة الأرثوذكسية“، هي تأكيده على المواهب الروحية التي ينالها الإنسان بالتأمل، وعلى الأخص موهبة ”الفرح“. وهو يُعطي بهذا رؤية تفاؤلية جداً عن إمكانية الرؤية الحقيقية ومعرفة الله، واضعاً تفريقاً حاداً بين ما يمكن أن يُحقِّقه البشر بالطبيعة، وبين ما يُعطَى لهم كنعمة. وهذا النوع من ”الحياة الميستيكية“ التي يُبشِّر بها الأب متى المسكين يجب وضعها ضمن ما يُسمَّى عند الصوفيين ”ميستيكية النور“ في مواجهة ميستيكية القديس غريغوريوس النيصي وكثير من الميستيكيين الغربيين(28)، (الذين يتكلَّمون عن ”ليل النفس المظلم“ أي ظلمة الانحجاب الإلهي).

 

السمة الثالثة: الشركة

 

سمة ثالثة في العلم اللاهوتي للأب متى المسكين، هي المكانة الأساسية للشركة والمشاركة. فالإنسان خُلِقَ من أجل الشركة مع الله، الشركة الكاملة التي يمكن البلوغ إليها فقط على أساس المشابهة ومن خلال المشاركة. ولكن بسبب السقوط، فإن الشركة الأصلية فُقِدَت، ولكنها استُعيدت من خلال المسيح. إلاَّ أنها لم تُسترجَع بالإيمان وحده أو بالمعمودية وحدها، ولكنها تُستعاد بالشركة الحية في المسيح. فالفضائل المكتسبة بإطاعة الوصايا، والبر الذي يتم من خلال الاتضاع والآلام والدموع والصلاة، هي لا شيء أمام الشركة في المسيح بالاقتداء به في حياته وفي موته. فقبول الألم والمهانة، وجَحْد الإنسان لمشيئته الخاصة وفكره الخاص؛ هو بحد ذاته الشركة في المسيح. والاتضاع، كما جاء في أقوال آباء البرية، هو الفضيلة الأساسية، والألم هو الاختبار الطبيعي في الحياة الروحية.

وهذه الأفكار توضِّح بجلاء كيف أن الأب متى المسكين أبعد ما يكون عن الفلسفة الأفلاطونية، التي تقوم على احتقار الجسد. فالجسد، عند الأب متى المسكين، أساسيٌّ، لأنه من خلال التجسُّد، اقتربت السماء من الجنس البشري، كما أنه من خلال الجسد وفي الجسد يستوعب الإنسان الروحيات. فالنسك والتطهير لا يكونان بقصد قتل الجسد، بل بإعداده للمشاركة في قيامة المسيح.

* معنى الصليب ليس منحصراً فقط في الفداء، بل وفي الشركة مع المسيح.

* آلام المسيح تُكمِّل التجسُّد، بإدماج آلام البشر ويأسهم وموتهم فيه(29).

* ومن خلال الإفخارستيا، يشترك الإنسان في موت وقيامة المسيح، وفي فدائه وذبيحته. ومن خلال هذه المشاركة تُمنح له المغفرة.

 

(26) انظر مثلاً النبذة الصغيرة: ”المسيح في العهدين“، 1979 (نُشرت ترجمتها في كتاب: The Communion of Love, 9-51)؛ و”مسيح التاريخ مسيحٌ حيٌّ“، (1976) (ونُشرت ترجمته في كتاب: The Communion of Love, 53-63).

(27) ممـا تجــدر الإشارة إليه كُتَيِّبـه الصغير عـن تحديد النسل: ”رأي في تحديد النسل“، 1968 (وتـرجمته الإنجليزية: A Viewpoint on Birth Control, 1981). حيث يؤيِّد برامج تنظيم النسل على أرضية لاهوتية.

(28) بالرغم من أن الأب متى المسكين كثيراً ما يُندِّد بأوريجانس بسبب أفكاره الأفلاطونية، إلاَّ أنه يؤيِّد التقليد الأوريجاني في نظرته الإيجابية لمعرفة الله. وبالرغم من الاقتباسات الكثيرة من كتابات القديس أُغسطينوس، إلاَّ أنه يمثِّل بوضوح التقليد الشرقي بتأكيده على ”التأليه“ كاختبار يُمارسه الذهن والجسد.

(29) في تأكيده على آلام المسيح وضرورة الدموع، يرجع إلى الآباء الروحيين السريان. والأمثلة الجيدة لهذا تجدها في مجموعة ”آلام المسيح“ المشار إليها سابقاً. وقد تُرجمت بعض هذه المقالات من هذا الكتاب إلى الإنجليزية. صدرت في كتيبات: The Passion of Jesus Christ in Our Life, 1982, The Mystery of the Cross, 1980؛ وبعضها نُشر في كتاب: The Communion of Love.