Search
Close this search box.

زمن الحب

”الصوم هو الوسيلة لضبط الأهواء والشهوات، حتى تنسجم حياة المسيحي مع روح الله الذي يقوده في طاعة وخضوع“ (القمص بيشوي كامل)

 

+ «أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هَأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسْطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ بِالأُصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ، وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ. وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبِعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيًّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ» (إش 58: 6 – 11).

  •  من خلال قراءتنا السابقة يوضِّح لنا إشعياء النبي مبادئ روحية هامة:

    – كيف يُمثِّل الصوم ركنًا أساسيًّا من أركان الحياة الروحية؟

    فالصوم هو ممارسة تعبُّدية، ولكن يجب أن تخلو من الرياء. وفي هذا الأصحاح يشرح لنا كيف يمكن أن تتسلَّل هذه الخطية (الرياء) إلى حياة الإنسان دون أن يدري. تأمَّل معي في العدد الثاني من هذا الأصحاح إذ يقول: «وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا …»، يصلُّون … ولكنها صلاة ظاهرة من الشفتين أو من اللسان، ولا تتعدَّى ذلك، ويبقى قلب الإنسان كما هو لا يتغيَّر، لذلك عندما ينتهي من الصلاة تجده يتصرَّف تصرفات غير مقبولة وغير لائقة ولا تتماشى مع صلاته مطلقًا.

    ربما تسألني الآن، كيف للخطية أن تتسلَّل لحياة الإنسان دون أن يدري؟

    أجيبك: إن لخطية الرياء مظاهرَ عدَّة دعنا نسردها سويًّا:

    1. مظهر من مظاهر الرياء هو ادعاء المعرفة العقلانية:

    تشعر وأنت جالس مع الشخص أنه موسوعة، ولكنها ليست موسوعة اتضاع، ولكن موسوعة كبرياء، يفتخر بذاته وبما حصَّله من معارف، وكانت طائفة الفريسيين هم من قمة طوائف اليهود، فكلمة ”فريسي“ معناها ”مُفرَز“، بينما كان الكتبة أشخاصًا متميِّزين جدًّا (الكتبة هم الناسخون) … وبالرغم من كل ذلك كانوا بعيدين عن الطريق الروحي كثيرًا، وقد وبَّخهم السيد المسيح مرات عديدة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت هذه الخطية في أصحاب بعض مواقع التواصل الاجتماعي وهم يتفاخرون بمعرفتهم عن كبرياء يصل إلى تشويه الآخر ونشر أكاذيب أو التفاخر بأنهم أصحاب الحقيقة أو أصحاب الصواب فقط.

    2. مظهر آخر وهو إظهار الغيرة ونسميه أحيانًا ”ناموسي“:

    ناموسي بمعنى ”حرفي“ أي يحيا بالحرف، والحياة المسيحية عندما تتعمَّق فيها تجدها تعتمد على القلب والروح، ولا تعتمد على الحرف، ومن يحيا بالحرف لا يمكنه أن يدرك المسيح. لذلك قال ربنا يسوع المسيح: «مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (مت 5: 17)، فالمقصود هو أن يكمِّل القديم، فتقرأ العهد القديم بروح العهد الجديد، وتتحوَّل الوصية في حياتك إلى شهادة عملية عن علاقتك بالله، وهؤلاء هم أصحاب السبت يتمسَّكون بالحرف فقط دون إعمال للعقل والقلب والإحساس والرحمة.

    3. صورة ثالثة أن الإنسان يتظاهر أنه قريب من الله:

    ”يُسر بالتقرُّب إلى الله“ (إش 58: 2) من خلال طقوس وممارسات مُعيَّنة … يتظاهر أنه قريب من الله وحقيقته من الداخل غير ذلك، تصوَّر معي إنسانًا يقضي يومه صائمًا ويمارس ممارسات روحية، ثم بعد فترة الصوم يغضب بشدَّة ويسقط في خطايا عديدة. فماذا استفاد إذن من صومه؟ فترة الصوم هي فترة تساعد الإنسان في نموه الروحي، وليست مجرد الامتناع عن الطعام.

    والآن دعني أسألك: لماذا الصوم الذي تحدَّث عنه إشعياء النبي في هذا الأصحاح كان مرفوضًا؟

    هناك ثلاثة أسباب واضحة في الأعداد (3، 4، 5):

    1 – أن هذا الصوم كان غير مُنضبط:

    هو صوم يُسِرُّ صاحبَه ولا يُسِرُّ الله، فهو صوم لا يسير بنظام بل يستعرض فيه الإنسان إمكانياته وقدراته.

    2 – أن هذا الصوم كان بلا صمت:

    الصوم ليس عن الطعام فقط، بل أيضًا عن الكلام، فهذا الصوم المرفوض ليس فيه صمت بل فيه خصومة مع الغيرة، وفيه إدانة للآخرين وكثرة كلام.

    3 – أيضًا هذا الصوم مرفوض لأنه بلا تذلُّل:

    هو شكل بلا جوهر فهو مجرد منظر خارجي، لذا تحرص الكنيسة أن ترتب لنا في الأصوام قداسات لأوقات متأخرة لتُساعد الإنسان في ممارساته الروحية.

    والآن يا عزيزي، حان لنا أن نُفكَّر سويًّا كيف نصوم، وكيف ننال بركات الصوم الذي هو زمن للحب بينك وبين الله.

    في فترة الصوم المقدَّس، احرص أن تُقدِّم لنفسك ثلاثة أنواع من الأغذية:

    غذاء روحي … غذاء ذهني … وغذاء نُسكي …

    (1) الغذاء الروحي:

    وهو ما تُقدِّمه لنا الكنيسة في كل أشكال العبادة، وممارسة الأسرار. جيد أن تتقابل مع أب اعترافك قبل الصوم، وتضع خطة للصوم، ولا تتكاسل في تنفيذها، فترات الانقطاع والقداسات المتأخرة مع الميطانيات وفترات السكون … كلها وسائل روحية مفيدة.

    (2) الغذاء الذهني:

    الذي يعتمد أساسًا على القراءات الإنجيلية، والكنسية تُعلِّمنا في فترة الصوم المقدَّس أن نقرأ النبوات. ويمكنك أن تأخذ سفرًا واحدًا مثل: إشعياء، إرميا، أو تأخذ مجموعة أسفار مثل: أسفار الأنبياء الصغار، لكن يجب أن تقرأ يوميًّا، وليست قراءة فقط، بل ادرس … وافهم … وعش. وقراءة النبوات مفيدة جدًّا إذ تكشف مقاصد الله في حياتك، كما يمكنك أن تأخذ صاحب السفر كشفيع لك في أيام الصوم مع أوقات القراءة.

    (3) الغذاء النسكي:

    نُسكياتك هامة جدًّا في الصوم، الانقطاع شيء مهم لتقوية الإرادة. أيضًا الطعام النباتي هو طعام هادئ الطاقة وهو طعام صحي ومفيد للإنسان.

    أيضًا الميطانيات (سجدات التوبة) من القلب وليس بالجسد فقط، وهي مُرتبطة بالصلوات، فيها الصلاة القصيرة: ”يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ“.

    احرص أثناء سجودك في الميطانيات أن ترشم ذاتك بعلامة الصليب. يمكنك أن تبدأ بـ 12 ميطانية في أول يوم، وتزداد تدريجيًّا كل يوم مع الصوم وتقدمها بروح الصلاة.

    هذه الميطانيات هي وسيلة مُساعدة لتركيز الذهن، فيها تعب وبذل، وهذا التعب يُذكرك بأتعاب المسيح من أجلك.

    أيضًا فترات الاعتكاف هي جزء هام من نُسكياتك خلال الصوم، ويُستفاد منها كفترات تأمل وقراءة وصلاة أو ترنيم وتسبيح.

    فترة الصوم يا إخوتي تحكمها الآية التي تقول: «كُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (1كو 9: 25)، وأيضًا ينطبق عليها الآية: «الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالاِبْتِهَاجِ» (مز 126: 5)، الذين يزرعون بدموع التوبة في فترة الصوم يحصدون بالابتهاج في القيامة المجيدة.

    وللصوم بركات كثيرة:

    1. استجابة الصلوات: لأنك عندما تحيا حياة الصوم، تشعر بالانسحاق والخشوع وتخرج صلواتك من داخلك عميقة وتدخل فيها روح الإيمان، صلوات مرفوعة من قلب نقي.

    2. بركات أخرى هي: أن يصير الرب لذَّةً للإنسان، فأنت تصوم عن الطعام لكي تتحوَّل لذَّة الطاعة في داخلك إلى لذَّة للرب، ويكون المسيح هو لذَّتك، وكما يقول معلِّمنا داود النبي: «تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ» (مز 37: 4).

    3. بركة ثالثة: أن الإنسان يشعر بارتفاعه، وكما يقول داود النبي: «لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ!» (مز 55: 6). يرتفع فوق الماديات، وحتى فوق احتياجات الجسد، ويشعر أن رباطات الأرض تصير ضعيفة، ويشعر أنه يقترب من السماء ويحيا بهذه الروح.

    4. بركة رابعة: إن الإنسان ينال الصحة الجسدية: الطعام النباتي يمنح الإنسان شكلًا من الطاقة الهادئة، فلا يكون الطعام مثيرًا في جسده أو في حياته فيعطيه صحة جسدية، ويقول إشعياء النبي في هذا الأصحاح: «تَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا» (إش 58: 8).

    5. أيضًا في الصوم ينال الإنسان استنارة: ولا أقصد للعين الجسدية، ولكن العين القلبية، عندما يقرأ الإنسان الإنجيل يفهم أكثر، وعندما يشارك في التسبيح يعيش أكثر، وعندما يمارس ميطانيات يتمتع أكثر.

    6. عمل الرحمة بكل أشكالها يُعتبر وسيلةً فعَّالةً في الصوم للإحساس بالآخر وطوبى للرحماء على المساكين لأنه ليس رحمة في الدينونة لمَنْ لم يعمل رحمة.

    أيام الصوم أيام ثمينة وغالية فاهتم بها واستفد منها لأنها بالحقيقة كنز روحي يدوم معك السنة كلها.

نُشر حديثًا

تبرع لمساندة أنشطة الدير ونشكر أي مساهمة منكم مهما كانت صغيرة.

ويمكنكم التبرع لمشروع إخوة الرب وهو مشروع لمعونة الأيتام والفقراء (مشروع الملاك ميخائيل) أسسه الأب متى المسكين ويعوله دير القديس أنبا مقار.

Donate to support the Monastery’s activities or for the “Archangel Michael Coptic Care” program which helps orphans and needy people in Egypt.
FOR US CITIZENS
“Archangel Michael Coptic Care” has been registered in the USA to serve and help the poor of Egypt in a significant way. Our Tax ID # is: 43-1957120. Your contribution is all TAX DEDUCTIBLE. You will receive a yearly report of your contribution for your tax record. Please write the check to: Archangel Michael Coptic Care. Mail your check to: P.O. Box # 1574, Centreville, VA 20122, USA or donate with credit card or Paypal.