Search
Close this search box.

مُلتقى ”إبيفاني ‏Epiphany‏“‏ تخليدًا لذكرى أنبا إبيفانيوس ‏ أسقف ورئيس دير أنبا مقار

نظَّمت مدرسة الإسكندرية بمقرِّها بمصر الجديدة أولَ مُلتقًى دراسيٍّ مخصَّصٍ للذكرى السنوية لنياحة نيافة أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أنبا مقار، باسم “إبيفاني Epiphany، وذلك يوم 29 يوليو 2022. وحضر هذا اليوم الدراسي تسعة من المتحدثين وحوالي سبعين مستمعًا معظمهم من تلاميذ ومحبي الأنبا إبيفانيوس الذين جاءوا خصِّيصًا لتخليد ذكراه. وقد اشترك دير أنبا مقار أيضًا بإرسال راهبين حضرا جلسات المُلتقى الدراسي.

بدأ الاجتماع في الساعة 11 صباحًا وانتهى في الساعة 5 مساءً مع استراحة قصيرة في منتصف اليوم.

افتتح الراهب سارافيم البرموسي الأعمال بكلمة عطرة بمحبته الكبيرة لأنبا إبيفانيوس وقد وضَّح فيها أن القائمين على مدرسة الإسكندرية تساءلوا كيف يمكنهم إحياء ذكرى أنبا إبيفانيوس بأفضل طريقة ممكنة وتخيَّلوا لو طرحوا هذا التساؤل على أنبا إبيفانيوس نفسه. وجاءت الإجابة بمثابة إلهام وهي أن الطريقة المُثلى للقيام بذلك هي تنظيم يوم دراسي يجمع أولاده وتلاميذه. ومن هنا نشأت فكرة تنظيم منتدى حول الموضوعات التي كان أنبا إبيفانيوس مهتمًّا بها وعمل عليها من خلال دراساته وإصداراته أثناء حياته. وعلى الرغم من توفر أقل من شهر منذ انطلاق شرارة الفكرة الأولى حتى يوم الذكرى إلَّا أن الرب سهَّل التنظيم بشكل واضح. وبمجرد أن بُدئ الحديث عن أنبا إبيفانيوس شعر الحضور أنه حاضر في وسطهم بروحه يجلس في آخر دكة كما كان معتادًا أن يفعله أثناء حضوره المؤتمرات وكأنه مستمع عادٍ.

ولأهمية افتتاحية أبينا سارافيم سننشرها كاملة في آخر سردنا هذا لما تم في الملتقى.

الورقة البحثية الأولى قام بتقديمها راهب من دير أنبا مقار وموضوعها ”بستان الرهبان“ وهو أحد النصوص العربية المسيحية التي اهتم بها أنبا إبيفانيوس كثيرًا وأصدر طبعة علمية له. بعد عرض دور أبينا الأسقف في إبراز القيمة العلمية للبستان، شدَّدت الورقة على أن البستان يقدِّم مواده الأدبية بإبداع منقطع النظير وعلى الرغم من أن البستان العربي القبطي يعود إلى مصادر بلغات أخرى إلَّا أنه يظل مستقلًّا في التعامل معها إلى حد كبير. وقد تم تقديم القول 388 المنسوب إلى أنبا مقار كدليل على هذه الفرضية.

قدَّم الأسقف نيافة أنبا مكاري الورقة البحثية الثانية وشعر الكثير أنها جاءت استكمالًا رائعًا وغيرَ مرتَّب للورقة الأولى. فقد تحدَّثت ورقته عن أدب سير القديسين وأكَّد نيافته على تطور نصوص سير القديسين على مر القرون وعبر اللغات وحسب الظروف التاريخية والكنسية التي كتبت فيها سير القديسين. كما أن ورقة أنبا مكاري وافقت على الاستقلالية الكبيرة التي ينتحيها المترجمون إلى اللغة العربية في نقلهم للسير.

ثم تحدث المهندس رفيق عادل عن التقليد المخطوط المعقَّد لكتاب ”التقليد الرسولي“ المنسوب للقديس هيبوليتوس وهو مؤلَّف مسيحي قديم يشار فيه إلى مجموعة من المبادئ والأنظمة والتعليمات المتعلِّقة بالترتيب الكنسي والممارسات الليتورجية والحياة الكنيسة والتي تعبِّر عن الشكل الذي ترجمت به الكنيسة القديمة مفهوم تسليم الرسل من أجل خير جميع المؤمنين وبنيانهم الروحي. ويعتبر المؤرخون أن هذا الكتاب هام للغاية لأنه يُعدُّ مصدرًا قيمًا للمعلومات حول حياة المجتمع المسيحي والليتورجيا في القرن الثالث.

ثم قدَّم دانيال القمص يواقيم مقارنة بين التقاليد القبطية والأورشليمية فيما يتعلَّق بقراءات البصخة في أيامها الثلاثة الأولى، مشيرًا أيضًا إلى التقليد الأرمني والجورجي لأهميتهما.

أما د. باسم سمير الشرقاوي فعالج قضية سداسية hexapla أوريجانوس من خلال وضعها في حوار مع مخطوطات المزامير التي عُثر عليها في قمران والتي تختلف عن كلٍّ من النص الماسوري والسبعيني.

وتحدَّث مينا عياد يسى عن العظة الشهيرة بعنوان ”العذراء الثيؤطوكوس“ التي ألقاها القديس بروكلس القسطنطيني بين عام 428 و 429 (عندما لم يكن بطريركًا بعد) والذي يُعتبر أول من منح العذراء لقب ”ثيؤطوكوس“ ممَّا تسبب في رد فعل عنيف من نسطور الذي كان ضد هذا اللقب. وقد تم إدراج هذه العظة فيما بعد في أعمال مجمع أفسس في 431. قارن الباحث أجزاءً من العظة بالقطعة الخامسة من ثيؤطوكية الأربعاء التي تبدأ بـ ”عيد بتولي“.

أما القمص يوحنا عطا فقد تناول عمل يوحنا فيلوبونوس (490 – 570) الذي كان فيلسوفًا وعالمـًا ونحويًّا قاد مدرسة الإسكندرية الفلسفية بعد نياحة أمونيوس ابن هرميا (523). ويُعتبر فيلوبونوس أول معلِّق مسيحي لأرسطو. ورغم انتقاده لبعض الأفكار الأرسطية غير المتوافقة مع الفكر المسيحي مثل فكرة أزلية الكون، إلَّا أنه سعى إلى التوليف بين التقليد الأفلاطوني الأرسطي والنصوص المقدَّسة. وركز الباحث في ورقته البحثية على عرض طريقة استعمال فيلوبونوس للاستدلال المنطقي حسب الفئات الأرسطية لإثبات طبيعة المسيح الواحدة.

أما د. بطرس كرم فقد أرسل ورقته البحثية، وهي الورقة الأخيرة التي تم تقديمها، وذلك لعدم تمكنه من الحضور شخصيًّا. تناولت ورقته نشأة طقس القُبلة المقدَّسة وتطوره على مر القرون في الكنائس المختلفة، مع إبراز محطات تاريخية اختفى فيها هذا الطقس من الليتورجية وعاد إليها مرة أُخرى كما دعى الكاتب الكنيسة إلى إعطاء هذا الطقس مكانته لما يتصف به من أهمية كتابية ولاهوتية وروحية وليتورجية كبيرة جدًّا.

وقد وعد القائمون على تنظيم هذا اليوم الدراسي بتكرار هذه المبادرة الطيبة كل عام وسوف يبدؤون قريبًا في تنظيم الملتقى الثاني بمناسبة الذكرى الخامسة لنياحة أنبا إبيفانيوس (2023) من خلال الدعوة إلى إرسال الورقات البحثية (call for papers) التي ستقوم لجنة تحكيم مخصَّصة بتقييمها. كما أعلن المسؤولون على موقع مدرسة الإسكندرية عن نشر التسجيلات المرئية للورقات وكذلك نشر كتاب أعمال المؤتمر في مجلَّد خاص وذلك في وقت لاحق.

***

كلمة الأب سارافيم البرموسي في افتتاح المُلتقى

الاحتفال باﻟﻨور!

إبيفانيوس كلمة تُشير إلى الاستعلان .. الظهور .. الكشف .. الانكشاف .. والانكشاف الأعظم كان استعلان ابن الله في الجسد، ومن ثَمَّ الثالوث، في وجه يسوع .. ويمكننا بكلِّ إخلاص ووعي أن نمدِّد معنى الإبيفاني ليشمل الاحتفال بكلِّ استعلان لحياة يسوع في حياة إنسان ..

من هذا المنظور يمكننا أن نرفعَ الحجاب عن أحد معاني القداسة: إنها احتفال إبيفاني كبير بالنور الإلهي في حياة مَنْ تَبِعوا الربّ يسوع .. إنها تحقيقٌ لمشروع الاستعادة فيه، وله .. لنكون على مثاله الأبدي المنتصر القائم ..

أنبا إبيفانيوس كان راهبًا احتفلت فيه النعمة، ونحتفل نحن اليوم في تذكاره باستعلان حياة يسوع فيه وبه ..

كان لقب الراهب هو اللقب الأقرب إلى قلبه .. المحبَّب إلى نفسه .. رهبنته لم تكن جامدة بل نشطة حركيَّة منصتة للنعمة، خاضعة لها، متحرِّكة على إيقاعات نفيرها وبوقها حينما تكلِّفه بعملٍ ما .. لم يكن يحب الليتورجيا الكنسيَّة فحسب، بل كانت حياته عينها ليتورجيا كبرى يؤمن بدور الكل فيها ..

استأمنته النعمة على موهبة البحث والدراسة والقراءة البنَّاءة .. بدت الموهبة فطريَّة عفويَّة يتنفَّسها ويسعى لكيما يساعد من حوله ليتمتَّعوا بما تمتَّع هو به ..

كان موقفه البحثي جزءًا من مشروع خلاصي ممتد تُشْحَذ فيه كلُّ السواعد لتبني بكلِّ همَّة وإخلاص وتضحية ووعي وفطنة بناء الرب في القلوب ..

كانت المكافأة الكبرى التي تُبهجه، كما يدرك مَنْ عَرِفَه عن قُربٍ، هو أن يرى النور يتمدَّد ويملك وينتشر في الشخوص والكيانات والتيَّارات والأفكار والحيوات من حوله ..

كانت كل حياته خدمةً بلا توقُّفٍ لمشروع الكنيسة كما أرادها المسيح وأحبَّها؛ عروسٌ واحدة واعية صَلْبَة مترابطة لها صوتٌ في العالم .. كنيسة لا تُمزِّقُها الهامشيات، ولا تنزوي خوفًا من المواجهات الكبرى ولا تتراجع أمام تهديد أو وعيد، ولا تحيد وإن قُدِّمت لها ممالك الأرض وسلطانها!

لم يبني مشروعًا على طموحٍ إنسانيٍّ يمكن أن تهوي عليه معاول اليأس لتفتِّته .. لقد تجذَّر مشروعُه في أرض الرجاء .. وَالرَّجَاءُ لَا يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.

كان يؤمن تمام الإيمان بتراكم العمل .. ولكنه كان يخشى من تفتُّت الهدف إلى أهدافٍ صُغرى! وهو ما يحدث كثيرًا ..

كان أنبا إبيفانيوس يجيد الإنصاتَ في وقت تسود فيه الثرثراتُ الصاخبةُ التي ملأت الآذان بقشٍّ وحصًى!

كانت مشاعره مُضرمة في الوقت الذي أصابت فيه البلادةُ كثيرين، وماتت الأحلام في القلوب قبل أن ترى النور!

كان يبكي أحيانًا كطفلٍ صغيرٍ بصوتٍ متهدِّج .. لم تُفقده أسقفيتُه بمشاغلها ومسؤولياتها شغفه النضر، وحبّه الصافي الذي يتوثَّبُ في محضر محبوبِهِ ومخلِّصه، ومَنْ يحبّ محبوبَه ومخلِّصَه ..

كان يخشع وكأنَّه ينكمشُ في محضر المسيح المتجلِّي على المذبح بحضورٍ إفخارستي .. كان يبدو أنَّ قلبه في تلك اللحظات ينبض بنبضاتٍ تمسك بقرون المذبح، متوسِّلة حتى يأتي السيِّد ويسكن ويصنع له منزلًا ..

حينما كان يُمْدَح كان يحيل المدح إلى آخرين ممَّن تتلمذ عليهم من آباء دير القديس أنبا مقار .. كان يرى نفسه كصبيٍّ وسط عمالقة، وهو الذي تعملق بالروح في أعين كلِّ مَنْ رأى فيه وجه يسوع ..

كان رقيقَ المشاعر، متدفِّقًا في حُنُوِّه الذي كان يُومِضُ في عينيه بطيبةٍ آسرةٍ، وفي نبراته بدفءٍ وكأنّما يعانق به مَنْ حوله ..

ولكنَّه كان إنسانًا .. يشكو .. يتوجَّع .. يتساءل .. يتألَّم .. بل ويحتار ..

بيد أنَّه كان في حيرته بلا يأسٍ، وفي حزنه مُفْعَم بفرحٍ لا يُنطَق به ومجيد ..

هو يومٌ نجتمع فيه، لنتذكَّر حضورًا لا يمكن أن يغيب أو يُغيّب، لأنه اتَّحد بالأبدي الحاضر إلى أبد الآبدين .. آمين ..

أشكركم ..

سارافيم البرموسي

مؤتمر إبيفاني الدراسي الأول

2022

نُشر حديثًا

تبرع لمساندة أنشطة الدير ونشكر أي مساهمة منكم مهما كانت صغيرة.

ويمكنكم التبرع لمشروع إخوة الرب وهو مشروع لمعونة الأيتام والفقراء (مشروع الملاك ميخائيل) أسسه الأب متى المسكين ويعوله دير القديس أنبا مقار.

Donate to support the Monastery’s activities or for the “Archangel Michael Coptic Care” program which helps orphans and needy people in Egypt.
FOR US CITIZENS
“Archangel Michael Coptic Care” has been registered in the USA to serve and help the poor of Egypt in a significant way. Our Tax ID # is: 43-1957120. Your contribution is all TAX DEDUCTIBLE. You will receive a yearly report of your contribution for your tax record. Please write the check to: Archangel Michael Coptic Care. Mail your check to: P.O. Box # 1574, Centreville, VA 20122, USA or donate with credit card or Paypal.