ما أن يخطو الزائر داخل الدير، وتقع عيناه على الكنائس والمنارة وأحواض الزهور والمباني الجديدة، حتى يحس للوقت أنه أمام حركة روحية فريدة في هذا الزمان.
وعلى نقيض ما يتصور الكثيرون عن الرهبنة، أنها أسوار حديدية، تحصر داخلها فتاة أو فتى أعطى ظهره للناس وللمجتمع، كأنه يعيش في عالم غريب عن البشر، يدرك الزائر أن رهبان هذا الدير قادرون على اقتحام الحياة وغلبتها، وعلى مواجهة المجتمع بمشاكله دون الغوص فيه. وهذا راجع إلى القوة الإلهية التي آزرت العمل والبناء والتجديد والتدبير الرهباني بصفة عامة، إذ استطاع الأب الروحي أن يقدم حلولاً واقعية للمعادلة الصعبة، التي هي المواءمة بين أصول الحياة الرهبانية كالتجرد والعفة والطاعة، وبين متطلبات جيل حديث تربى في عصر التكنولوجيا ودرس حتى المستوى الجامعي وما بعده أحياناً، وشغف بالمعرفة واللغات، يتوق أن يقدم نفسه كل يوم ذبيحة لله ويتطلع إلى خدمة الكنيسة والتعمق في تراثها المبعثر بين مكتبات العالم ومتاحفه. وكانت ثمرة هذا التدبير المُلهَم، هو القلاية الحديثة، والمكتبة، والمائدة الجديدة، وباقي المباني الأخرى الحديثة، مع بذل أقصى الجهد للاحتفاظ بالآثار القديمة والعناية بترميمها، نظراً لما تحويه من تاريخ مجيد يحكي عن إيمان صلب، استطاع أن يتحدى الزمن وعوامل الفناء، ويقف شامخاً وشاهداً على صدق الله والأمانة الروحية في الكنيسة القبطية.
لذلك يحس الزائر أنه يتحرك فعلاً بين أبنية تغطي ستة عشر قرناً من الزمان، يمتزج فيها الجديد بالعتيق في تآلف مذهل هو معجزة بحد ذاتها.
(1) قلاية الراهب: حافظنا في تصميمها على مبدأ التوحد الذي هو سمة الرهبنة القبطية، وبذلك تهيأ للراهب الإقامة فيها لأيام كثيرة دون حاجة مطلقاً للخروج أو الدخول، وقد تم تزويدها بالفتحات الكافية للتهوية والشمس والنور، مع دورة مياه كاملة على مجاري عامة تُصرف خارج الدير، ومكان مستقل للمطبخ، مع غرفة صغيرة – محبسة – أرضيتها من الخشب، ليتمكن الراهب من النوم على الأرض دون أن يتأذى جسمه مهما كان رهيفاً، ثم غرفة المطالعة والسهر، بمكتب ودواليب حائطية. ومن جهة الهدوء المطلوب روعي أن تكون كل قلاية منفصلة تماماً عن جارتها بفناء واسع من جهة، وسلم صاعد للأدوار العليا من جهة أخرى، كما أن السقف سميك يكاد يكون مزدوجاً في درجة عزله للصوت، وأغلب الأثاث المستعمل فيها ثابت ودائم لتفادي الحركة والضجيج.
وإذا أضفنا إلى هذا، الفصل الكامل بين أماكن الضيافة وبين قلالي الرهبان وما يتبعها من مباني الخدمات اليومية بما يكفل للدير استقلاله وحُرْمته، نكون قد هيأنا للراهب الاستقلال المطلوب الذي تستوجبه العبادة والصلاة والحياة الداخلية بحسب روح الإنجيل. وهذا هو جوهر الحياة الرهبانية الذي لم نفرِّط فيه مهما كلَّفنا غالياً.
قلاية الأخ المبتدئ:
وبحسب التقليد الرهباني تختلف احتياجات الأخ المبتدئ عن الراهب، إذ توصي تعاليم الآباء أن يهتم المبتدئ بقضاء أكبر وقت ممكن في خدمة المجمع الرهباني، وبذل المحبة، والتواضع، ليكتسب الفضائل التي تهيئه للوحدة بعد ذلك، مثل إماتة الذات والطاعة الكاملة وحفظ الوصية وسط ضجيج العمل. كما أنه غير مُطالَب إلا بالصلوات القانونية والمطانيات في قلايته. لذلك تمَّ تخصيص المباني الغربية والجنوبية لحجرات المبتدئين، نظراً لقربها من أماكن الخدمات العامة في الدير.
وقد تم إنشاء ما يقرب من مائة قلاية من النوع الأول وأربعين من النوع الاخر.
(2) المائدة الجديدة: عرف رهبان مصر آداب المائدة، ووضعوا لها الأصول على أعلى مستوى. فالمائدة في الدير امتداد لوليمة الأغابي المعروفة منذ عصر الرسل, والتي شاعت في الكنيسة الأولى، حتى اندثرت بعد ذلك منذ وقت بعيد، إلا في مصر، حيث حافظت عليها الأديرة. وفي عصرنا هذا، الذي نسعى فيه للارتواء من الينابيع الأولى، أُقيم لأول مرة في الأديرة القبطية مائدة تجمع الرهبان يومياً على نفس نمط مائدة العشاء الأخير يوم خميس الفصح. فكما كان الطقس اليهودي يحتم أن يجلس رب الأسرة أو الجماعة على رأس المتكأ، وإلى يمينه أكبر أفرادها سناً، وهكذا بالترتيب إلى أن تنتهي الدورة بجلوس أصغر الموجودين على يسار رئيس الجماعة، هكذا في مائدة الدير يتصدر الأب الروحي المائدة والصلاة، ويقرأ البركة، ثم عن يمينه يجلس أقدم الرهبان، وهكذا إلى أن تنتهي الدورة بأحدث المبتدئين عن يساره.
ومن خلال هذه الوليمة اليومية وتعاليم الأب الروحي وشروحاته على كتاب “بستان الرهبان”، يحل الروح الواحد على الجماعة، ليكون لها الفكر الواحد والمبدأ الواحد والحياة الواحدة، للكبير والصغير على السواء. ومن خلال الصلاة وكلمة الله تتقدس حياة الراهب كما هو مكتوب: “فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شئ لمجد الله” (1كو10: 31).
وقد أُلحق في ثمانينات القرن الماضي بالمائدة مطبخ حديث فسيح لإعداد الطعام لما يربو على 150 راهباً في فترة وجيزة وبأقل جهد ممكن لما فيه من معدات حديثة. ويتكون هذا المطبخ من صالتين كبيرتين: الأولى للإعداد والغسيل والتجهيز بها ثلاجة لحفظ الأطعمة، والثانية للأفران وطهي الطعام.
(3) المكتبة: كان لها في الأديرة شأن كبيرٌ، وبالأخص دير القديس أنبا مقار الذي اقترنت فيه التقوى والقداسة مع العلم والمعرفة، حتى قيلت فيه هذه العبارة البليغة: “إنه موطن الصلاة الدائمة والحكمة العالية”. لذلك أقيمت فيه مكتبة لحفظ ما تبقى من مخطوطات أفلتت من أيدي الهواة والسارقين الأفاضل، كما نجتهد للحصول على صور رقمية للمخطوطات الهامة التي تسربت إلى الخارج، حتى تكون في متناول يد الرهبان والراغبين في الاطلاع والبحث. ووجود مطبعة حديثة بالدير، سيسهل نشر هذه المخطوطات لتعريف العالم – والشعب القبطي خاصة – بالتراث الروحي واللاهوتي والطقسي الذي كانت ومازالت عليه كنيسة مصر.
المتحف: وهو ملحق بالمكتبة في الجهة البحرية وفيه القطع الرخامية التي عثر عليها أثناء تجديد الدير مثل الأعمدة والتيجان والقواعد ولوحات المذبح التي تعتبر من أندر القطع في العالم كله، مع أحواض اللقَّان والآنية الفخارية والخزفية الملونة.
(4) ترميم الآثار: جميع المباني الأثرية التي في الدير كانت في حالة تقرب من التداعي والانهيار: قبة أنبا بينامين في كنيسة أنبا مقار التي يعتبرها الأثريون أقدم قبة قائمة في مصر كان بها عشرة شروخ على الأقل. فاقتضى تدعيمها إقامة أعمدة مسلحة في أركانها، وعمل شدادات تحت حائطها القبلي، الذي اتضح تأسيسه على سطح الأرض فوق الرمل مباشرة دون قواعد. وأثناء إزالة البياض الخارجي الحديث للجدار الغربي، اكتشفنا تحته رسم حائطي للسيد المسيح والرسل والتلاميذ، فاضطررنا إلى تعديل التصميم محافظة على هذا الأثر البالغ القيمة. وبعد تقوية قاعدة القبة وتغليفها من الخارج بالخرسانة المسلحة زال خطر السقوط.
+ والقبة الرباعية الرائعة في كنيسة الشهيد أبسخيرون أيضاً كانت مصابة بشروخ خطيرة في أركانها الأربعة، مما دعانا إلى بناء أكتاف قوية بالحجر تسند حوائطها من الخارج. وهكذا صنعنا بقبة الميرون والمائدة القديمة.
+ أما شروخ الحصن فكانت من فوق إلى أسفل بكامل ارتفاعه في العديد من المواضع. والجهد الذي بُذل في ترميمه وتدعيمه، سواء من جهة التفكير أو التنفيذ، كان يكفي لبناء دير ثان – دون مبالغة – فقد تم تفريغ عراميس مباني الدور الأرضي وإعادة ملئها بمونة الأسمنت والرمل العالية القوة، ثم أقيمت أعمدة خرسانية مع شدادات فوق حوائطه لتحمل عقود تدعيم القباب المشروخة بالدور الأول. وبذلك أمكن رفع السقف الخشبي المتهالك لسطح الحصن، واستبداله بسقف وكمرات خرسانية قوية، تربط الحوائط الداخلية والخارجية بالدور الثاني. وأخيراً أعيد بياض ما تم ترميمه بمونة شديدة بنفس اللون الطفلي القديم.
فبعد أن كان دخول الحصن مغامرة خطيرة والوجود فيه يصيب النفس بالضيق والكآبة صارت زيارته الآن إحدى المتع التي تشرح قلب الزائر خاصة بعد استعمال حجرات الدور الأرضي متحف للأخشاب الأثرية كالأحجبة ومعرض للأدوات القديمة المستعملة لعصر الزيت والكروم.
مباني الضيافة: التزامنا بالفصل الكامل بين أماكن الزائرين وبين قلالي الرهبان، جعلنا نخصص الناحية الغربية البحرية لاستقبال الزائرين. وتشمل هذه الناحية المباني الملاصقة للمدخل الرئيسي، وتتكون من صالات كبيرة بالدور الأرضي والأول تتسع كل منها لمائتي زائر. أما المجموعات التي تزيد على هذا العدد فقد أقيمت لها صالة كبيرة على اليمين في فناء الكنائس أسفل السلم الرئيسي الهابط إلى هذا الفناء.
وكان لشيوع أنباء النهضة الروحية في هذا الدير العريق أن بدأ يفد علينا الكثير من رهبان أديرة الغرب، للتعرف على الخبرات الروحية التي تدفع الشباب القبطي في العصر الحديث للتكريس، حتى يعودوا إلى أديرتهم مجتهدين لتجديدها وبعث روح النهضة فيها. فوجدنا من الأوفق تخصيص أول مجموعة من القلالي لإقامتهم ليلمسوا بأنفسهم نجاح التدبير الرهباني في تهيئة الجو المناسب لجيل شاب يرغب في التعبد لله.
مبنى المستشفى وملحقاته: وموقعه في المباني القبلية من الدير. ويتكون من غرفة كبيرة للجراحة وأخرى للتعقيم، وصيدلية كاملة بمعمل تحليل وعيادة أسنان وعيون، ويشرف عليها أطباء متخصصون وصيادلة من الرهبان، وأُلحق به خط تليفوني مباشر مع مستشفى وادي النطرون للحالات الطارئة.
ونأمل، بعد استكمال تأثيثه وتزويده بالأجهزة الطبية الحديثة وسيارة إسعاف، أن يقوم بواجبه الإنساني في إسعاف حوادث السيارات على طريق مصر – إسكندرية الصحراوي.
المطبعة: تمكن الدير بتعضيد الغيورين على نشر الثقافة القبطية المسيحية من تأثيث مطبعة بها أحدث الماكينات وتشغل الدور الأرضي من المبنى الغربي. وهذا يشمل غرفة متسعة مكيفة الهواء لماكينات الجمع التصويري المزودة بالذاكرة الإلكترونية، وذات الإمكانية لجمع وتصوير النصوص إلى ثماني لغات، بالإضافة إلى آلات التصوير والطاولات المضاءة لأعمال طباعة الأوفست وآلة للطباعة (هايدلبرج) وآلات التطبيق والتدبيس والقص.
ويشرف على جميع هذه العمليات رهبان برعوا في إدارة ماكيناتها الحديثة بطريقة أدهشت المتخصصين في صناعة الكتاب.
وقد صدر عنا ما ينيف على 200 كتاب، بعضها زاد عدد صفحاته عن مئات الصفحات مثل شروحات الأناجيل والرسائل، بالإضافة إلى مجلة شهرية “مرقس” تعبِّر عن رسالة الفكر المسيحي للشباب والخدام.
مباني المزرعة: يرى الزائر إلى الشمال الشرقي من الدير مجموعة مباني تفترش مساحة عشرة أفدنة تقريباً، هي الورش والجراجات الخاصة بمعدات الدير (سيارات نقل – جرارات زراعية – لوادر – بولدوزورات ...إلخ)، كما تضم حظائر المواشي الأجنبية والبلدية والدواجن، وما يلزمها من مخازن أعلاف جاهزة ومصنعة وصالات لتصنيع المنتجات الزراعية والألبان.
وقد تمَّ إعدادُ الدور الثاني للمبنى الرئيسي لمبيت الآباء المتخصصين في الأعمال الزراعية والحيوانية.
محطة الكهرباء: أقيمت خارج الدير وعلى مسافة منه لآلات توليد الكهرباء حتى يتوفر الهدوء في داخل الدير. كما تحوي أماكن إقامة الرهبان المسئولين عن تشغيلها والفنيين المساعدين لهم.
مباني العمال الزراعيين: أعد الدير قرية عمالية كاملة على أسوار الأرض الزراعية في الناحية البحرية، وهي المباني التي يراها الزائر عند دخوله من البوابة الخارجية. وتستوعب هذه المساكن 500 عامل زراعي لمباشرة الزراعات المحيطة بالدير بما يلزمهم من مطابخ وأفران ومخازن وعيادة طبية وصيدلية. وقد خصص مبنى كبير من هذه المساكن للصناع المهرة والفنيين، كما تم تزويدها بالكهرباء والمياه من بئر عميقة حتى تصير متكاملة الخدمات والمنافع.
أرض الدير على الساحل الشمالي طريق الإسكندرية – مرسى مطروح ك69: يمتلك الدير حوالي 30 فداناً في هذه المنطقة التي تمتاز بجمال الطبيعة الرائع بين مياه رائقة لونها أزرق بللوري ورمال بيضاء ناصعة.
وقصة هذه الأرض ترجع إلى الستينيات من القرن العشرين حينما كان يعيش الآباء في وادي الريان، فواجهتم في السنة الأولى مشكلة المياه المالحة الملوثة، فاتجه التفكير إلى البحث عن مكان آخر تتوفر فيه العزلة والمياه الصالحة للشرب، فأرشدنا أصحاب العلم والفضل إلى الساحل الشمالي، وتحركت السيارة من الإسكندرية على هذا الطريق وفيها الأب متى المسكين يتأمل الشاطئ والطبيعة حتى جذبته هذه البقعة بهدوئها الأخَّاذ، وتم التعاقد مع صاحبها، وبدأنا إقامة المباني المناسبة. ولكن حالت الظروف وقتذاك عن الإستمرار في البناء، لذلك اكتفينا بإحاطتها بحزام أخضر من أشجار الكازورينا، وأقمنا مروحة تدار بالهواء على البئر لرفع الماء وسقي بعض أشجار التين الذي يشتهر به هذا الساحل.
فلما شاءت إرادة الله بالإقامة في دير أنبا مقار، وزالت الموانع التي تمنع من البناء على هذا الساحل، أقمنا سبعة مبانٍ على المنحدر الطبيعي المواجه للبحر، لاستغلالها لخلوة الرهبان الذين يرى الأب الروحي حاجتهم إليها.
والعجيب أن وزارة التعمير والإسكان انتبهت أخيراً إلى القيمة الساحلية والجمالية لهذا الشاطئ، فقامت بتقسيمه وبيع قطعه للهيئات والجماعات بقصد استغلاله سياحياً وترفيهياً، وتم تمليك الدير رسمياً لقطعة الأرض التي سبق أن اشتريناها من عرب المنطقة.
النشاط الزراعي والإنتاج الحيواني:
لم نكن نهدف في كل ما تم من أعمال البناء والتجديد والترميم، إلى غاية نبلغها ونرتاح عندها، ذلك لأن العمل بالنسبة للراهب وسيلة عظمى للنمو الروحي. فالراهب الذي عزم في قلبه أن يعيش حياة الكمال المسيحي يدرك منذ اللحظة الأولى لدخوله الدير أنه قادم من عالم الجسد والخطيئة حاملاً في جنباته ميراث المجتمع والأسرة والجسد والملذات التي تتصادم جميعاً مع متطلبات الكمال.
ما هو هدف العمل في الدير:
فالعمل الجاد يكشف تزييف النفس ويعريها من غطاء البر الذاتي، والراهب الحكيم يتعلم كل يوم من أخطائه وخطاياه كيف يتواضع ويدق صدره “اللهم ارحمني أنا الخاطئ”. كما أيضاً من جهة أخرى يتيسر للأب الروحي من خلال العمل أن يقوِّم ويصحح وينبه وينذر، وهكذا من انتباه الراهب للخطيئة ومن طاعته لأبيه تبدأ النعمة عملها في تغييره من حياة حسب الجسد إلى حياة حسب الروح، فينمو روحياً وإنسانياً ووطنياً وتنضج شخصيته وتتبلور سماته الحقيقية التي خلقه بها الله بعد أن يسقط عنه زيف المجتمع وبغضة الحسد والمنافسة وتأكيد الذات. وبذلك يصير العمل ليس غاية بل واسطة فعالة للموت عن الذات البشرية والامتداد في الكيان المسيحي الإلهي، ويكون البذل اليومي في المطبخ والبناء والحقل والورشة وحظائر الماشية وسائل لتمجيد الله والمساهمة في خدمة الآخرين.
(1) استزراع الصحراء:
العمل الأساسي الذي نجحنا فيه وصار فيما بعد سبب نجاح للمشروعات والتجارب الزراعية والحيوانية هو القدرة على تحويل مساحات الرمال الصفراء إلى حقول خضراء تسخو بالمنتجات الزراعية بما يفوق العائد من الأراضي الطينية السوداء باستخدام البحث العلمي الدقيق. فاخضرت الصحراء وازدهرت وأثمرت الرمال الجرداء. والمعروف أن تسعة أعشار مساحة القطر المصري من الأراضي الصحراوية.
لذلك لم تغفل عينا الرئيس الراحل أنور السادات، وهو الساهر على رفاهية شعبه، عن هذه المعجزة فقام بتشجيعنا لموالاة هذه التجربة وما بعدها عن طريق وزيره المختص بإهداء 1000 فدان ليساهم الدير في حل مشكلة الصحراء والأمن الغذائي للدولة.
(2) التجارب الزراعية:
أ- بنجر العلف: ساهم الدير في حل مشكلة نقص علف الماشية وما يسببه من ارتفاع أسعار اللحوم إذ قام بزراعة بنجر العلف المستوردة من ألمانيا الغربية، فاستجاب النبات لصحرائنا المستصلحة.
ب- بنجر السكر: وهو من بذور مستوردة أيضاً من ألمانيا الغربية، وأعطى أعلى نسبة سكر في العالم وهي 20% من وزن الجذر.
ج- التين المجفف: نوع جديد استنبطته جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة يتميز بثماره القابلة للتجفيف.
د- تجفيف الخضروات والفواكه مثل البلح والتين والعنب.
هذا بخلاف تجارب أخرى لأنواع منتقاة من الشمام (أصناف الكانتالوب) وأشجار الزيتون الكلاماتا والأسباني، والنخل والفاكهة الأخرى حتى بلغت مساحة الأرض المنزرعة 500 فدان بعد 4 سنوات فقط.
(3) في مجال الإنتاج الحيواني:
أ- قام الدير بإنشاء محطة تحسين صنف الأغنام المعروف باسم “البرقي” وموطنها الساحل الشمالي غرب الإسكندرية.
ب- واستورد الدير بقر فرزيان من موطنه الأصلي بألمانيا وهولندا وسلالة من البقر السويسري “براون سويس” وأنشأنا محطة تربية للبقر البلدي.
ج- كما استورد الدير أيضاً نوعاً جديداً من الدجاج الفرنسي يتميز بإنتاج عال للبيض (300 بيضة في السنة للدجاجة الواحدة) مع ارتفاع وزن البيضة حتى وصل إلى 75 جم أحياناً بالإضافة إلى طعمها الجيد.
د- وقد قام المختصون بوزارة الزراعة – قسم وقاية النبات – بإنشاء مزرعة نموذجية لنحل المنتخب من أنواع ممتازة لإنتاج عسل النحل والمساعدة على تلقيح النبات، وذلك لما وجدوه من تعاون صادق واستعداد من الرهبان للعمل والبذل في سبيل المصلحة العامة.
+++
ورغم المجهود الشاق الذي يتطلبه استزراع الصحراء الذي نباشره بوسائل بدائية، ورعاية التجارب الزراعية والحيوانية، إلا أن النجاح فيه يرجع أساساً إلى تعاون الآباء وروح المحبة المثالية واستعداد البذل. فكان هذا النشاط بأوجهه المتنوعة واجهة مشرقة أمام العالم والوطن وشهادة واقعية لصدق الله لكل من يتمسك به.